الحمد لله.
نحن نوافقك على أن فرص البنت المغتربة في الزواج أقل بكثير جداًّ من فرص مثيلاتها المقيمات في بلدانهن ، ولا حرج على البنت ولا على أهلها أن يتجنبوا الأسباب التي قد تحول بينها وبين الزواج والتي تقلل أمامها فرص الزواج والاختيار ، مما قد يضطرها أخيرا أن تقبل الزواج بأي رجل ، وإن كان دون الصفات المطلوبة بكثير .
وكون الزواج نصيباً ولم يأت بعد ، هذا حق ، بل كل شيء قد قدَّره الله تعالى وكتبه مما يصيب الإنسان من خير أو شر ، حتى الرزق المالي قد قدَّره الله ، ولا يمكن للإنسان أن يأخذ أكثر مما قدره الله له بمثقال ذرة ، فلماذا سافرت والدتك وتغربت – وتصر على ذلك – من أجل تحصيل الرزق ، مع أنه مكتوب ، وتأمرك بما لا تفعله هي ؟
الجواب على هذا سهل ، وهو أن الإنسان مفطور على طلب ما يحبه والسعي إليه ، والفرار مما يكرهه ، وذلك لا ينافي الإيمان بالقدر ، فإن الله تعالى ربط كل شيء بسببه ، وأمرنا بالأخذ بالأسباب ، ونهانا عن العجز والكسل .
ولذلك فإننا لا نرى أي حرج عليك في امتناعك من السفر أو خوفك منه من أجل السبب الذي ذكرتيه .
ولا شك أن جميع الأطراف المعنيين بتلك المشكلة ، من أسرتك : مطالبون بشيء من البذل ، والتضحية ، وتحمل وضع ليس هو الأمثل ، من أجل التغلب على صعوبة الظرف .
ونحن نرى ـ أولا ـ أن الحل
الأمثل لمشكلتك هو في إقناع والدتك بعدم السفر ، وأن مصلحتك تقتضي منها أن تضحي
ببعض المال من أجلك .
فقد كان سفر والدتك مقبولا حينما كانت تسافر مع زوجها ، أما الآن فإننا نتقدم إليها
بهذه النصيحة – إن كانت ستطلع عليها - : إذا كان عندها من أموالها الخاصة أو مما
تركه والدك ما يكفيها لحياة كريمة ، فإنه ليس هناك حاجة إلى سفرها ، وقد تخففت من
كثير من أعبائها المالية بعد زواج أولادها ، لاسيما وهذا السفر يضر بك ضررا كبيرا ،
ويفكك الأسرة ويشتتها.
فبقاؤها بين أولادها وأحفادها ، وتحقيق مصلحتك خير لها ولكم من هذا السفر ، الذي لا
يعني بالنسبة لها إلا تحصيل المال ، وقد تكون غير محتاجة إليه ، ولا تنتفع به .
فإن أمكن إقناع والدتك بذلك إما عن طريقك ، أو عن طريق إخوانك ، أو أخوالك أو
خالاتك أو غيرهم ، فذلك هو الحل الأمثل لهذه المشكلة .
فإن لم يمكن ذلك وأصرت
والدتك على السفر ، أو كانت – فعلاً – محتاجة إلى المال ، ولابد لها من السفر ،
فستكون هنا التضحيات الأصعب ، لكن : لا بد من ذلك أيضا :
وأنت هنا المخاطبة بالموازنة بين ما تقابلينه من مصاعب ، وما تحتملينه من تضحيات :
فإما أن تبقي مع إخوانك ، كما كان الحال عليه ، ولو مع التناوب بين منازلهم ،
وتحتملين ما ذكرت من نقصان الاستقرار والخصوصية ، في سبيل البقاء في بلدك ، حيث فرص
زواجك ، وحياتك الطبيعية أفضل .
وإما أن تسافري مع والدتك ، ولعل الله أن ييسر لك عملا ، يشغل وقتك ، ويقضي لك
بالزوج الصالح ، الذي يعوضك عما فاتك ؛ وكل شيء عنده بمقدار .
وأما الإقامة في شقة منفردة : فلا شك أن فيه من المخاطر الشيء الكثير ، لا سيما مع
حال عدم الاستقرار ونقصان الأمن في بلدك ؛ وأنت خبيرة بتلصص المجرمين على الناس في
بيوتهم ؛ وإنما يأكل الذئب من الغنم : القاصية !!
نسأل الله تعالى أن يصلح
أحوالك وييسر لكم أموركم .
والله أعلم .
تعليق