الحمد لله.
هذا الكلام لا نعلم له أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم نقف عليه ـ أيضا ـ في كلام أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وإنما هو كلام يذكره بعض من ألّف في الوعظ ، غير منسوب لأحد من السلف ، وهذا الباب يترخص فيه العلماء بذكر مثل هذه الآثار ، والتي - عادة - ينقلونها عن أهل الكتاب .
فذكره ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (ص 438) ، وصدره بقوله : " وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام ... " فذكره .
وتصديره بهذه الصيغة (قيل) ، مُشْعِر بأنه لا يعلم له أصلا يعتمد عليه فيذكره .
وكذا ذكره ابن الجوزي رحمه الله في "التبصرة" (1/34) ، و "المنثور" (ص3)، والغزالي رحمه الله في "الإحياء" (4/326)، والقشيري رحمه الله في "رسالته" (2/499) وصدره أيضا بقوله : " وقيل: " .
ولم يذكره - فيما نعلم - أحد
من أهل الحديث ، لا بسند ضعيف ولا غيره .
فعُلم بذلك أنه لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز أن ينسب إليه .
كما لا يجوز القطع بنسبته إلى الله تعالى أنه أوحى إلى داود عليه السلام بذلك ؛ وإنما غاية مثل ذلك : أن يذكر من باب الاعتبار ، والموعظة .
ويغني عنه حديثان صحيحان:
أولهما : بشأن المدبرين وحضهم على التوبة ، وهو ما رواه البخاري (6308) ،ومسلم
(2744) - واللفظ له - عن ابن مسعود قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ
الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ،
عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ،
فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ
الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى
سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ
وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ
الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ ).
ثانيهما : بشأن المقبلين ، وهو ما رواه البخاري في صحيحه (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ) .
وفيما ثبت وصح الغنية والكفاية عما لا يعرف له أصل .
والله أعلم .
تعليق