الحمد لله.
هل تعرفين أنك تعيشين نفس الظروف التي عاشتها أم المؤمنين ، أم سلمة رضي الله عنها .
لقد هاجرت أم سلمة مع زوجها إلى الحبشة ، ثم عادت إلى مكة لتعد العدة إلى هجرة أخرى إلى المدينة ، وهاجرت فعلاً ، ولكن بعد أن تمزقت أسرتها لسنة كاملة : زوجها في المدينة ينتظرها على أحر الأشواق ، وابنها الصغير خطفه أهل زوجها ، وخطفوا معه قلبها .
وأما هي فكانت عند أهلها تشرب أدمعها كل يوم ، ولا ترتوي ، حتى آذن الله لها بالفرج ، فألان قلوب أهل زوجها فردوا لها طفلها الصغير ، وألان عشيرتها فسمحوا لها بالهجرة ، فركبت من وقتها ظهر الصحراء منفردة ، لولا أن قيض الله من يوصلها إلى المدينة .
لم تنته القصة بعدُ ، فما إن عاشت في كنف أهلها ، سنة ، ثم سنة ، حتى كانت في السنة الثالثة غزوة أحد ، جاء الموت من خلف الستار ؛ ليأخذ أمانة الله من يديها ، ويأذن بالفراق بعد الوفاق ، فاللهم رحماك بتلك الضعيفة ؛ حيث لا عشيرة ، فقد هجرتهم ، ولا مؤنس ، فقد مات الحبيب الأنيس ، ولا قرار ، فقد رحل الساعي الكادح .
لم يبق لديها مقدرة حتى على الاسترجاع في مصيبتها ؛ فمَنْ مثلُ زوجها الأسد
الهصور ، المهاجر المضحي ، السابق إلى الخيرات ، السيد الكريم ، ثم المجاهد الشهيد
، حتى ترجو العزاء به ، أو الخلف فيه : " أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي
سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " ؟! .
لكن لم يكن بد من اتباع السنة ، فدعت بذلك الدعاء ، فلقد وعد النبي الداعي به ، في
مصابه : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ:
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 156]، اللهُمَّ أْجُرْنِي
فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ
خَيْرًا مِنْهَ ) !! .
قالت أم سلمة رضي الله عنها :
( ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) !!
فجاءها من لم تحلم به ، جاءها سيد البشر، وخير الرجال ، وحبيب رب العالمين وخليله ،
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيا بشراها بعد الأحزان .
وأنت كذلك يا أمة الله ؛ ما زلت في سن صغيرة ، والحياة صعبة وقاسية ، ومن العسير
جدا عليك أن تتحملي يبسها ، ومشقتها ، ولأواءها بمفردك ، لا سيما مع قلة المعين ،
وفقر اليد ، وكثرة الفتن ، وتكاثر الشرور .
فالوصية لك أن تقولي هذا الدعاء ، وإذا جاءك الكفء الكريم ، فلا تترددي في قبوله ،
وما يدريك لعله أن يكون خيراً من زوجك السابق ، رحمه الله .
نوصيك بذلك ، ونؤكد عليك فيه ؛ فأنت في حاجة إلى زوج يعينك وتعينيه على طاعة
الله تعالى ، ويعفك ، وتعفينه عن الحرام ، ويعينك على تحمل أعباء الحياة ، وتربية
الأولاد .
والزواج لمن هي في ظروفك متأكد جدا ، بل قد يكون واجبا عليك ، في وسط الفتن ، التي
لا يكاد يأمنها الإنسان على نفسه .
فالبدار البدار ، يا أمة الله ؛ قبل أن يفوتك القطار ، وتمضي الأيام ، ولا يمكنك
استدراك ما فات.
وانظري لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (220841) .
والله أعلم .
تعليق