الحمد لله.
اعلمي أيتها السائلة أن ما تقومين به من محاولة استخراج معلومات من زوجك ، بخصوص علاقته بامرأة أجنبية أمر لا يجوز ؛ لأنه إما أن يكون بريئا من علاقته بهذه المرأة ، فسؤالك وإلحاحك عليه فيه ظلم له ، لما يمثل ذلك له من أذى كبير ؛ فلا شك أن اتهام الرجل بما هو بريء منه - خصوصا في عرضه - فيه إيذاء شنيع له , وقد نهى الله تعالى عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا , قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/ 58 .
قال البغوي في تفسيره (6 / 376): " ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) مِنْ غَيْرِ أَنْ عَلِمُوا مَا أَوْجَبَ أَذَاهُمْ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَقَعُونَ فِيهِمْ ، وَيَرْمُونَهُمْ بِغَيْرِ جُرْمٍ ، (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) انتهى.
وقد ذكر القرطبي في تفسيره لهذه الآية : أن إسماع المؤمن شيئا يثقل عليه سماعه ، يدخل في إيذائه ، حيث قال في تفسيره (14 / 240): " وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مِنَ الْأَذِيَّةِ تَعْيِيرُهُ بِحَسَبٍ مَذْمُومٍ، أَوْ حِرْفَةٍ مَذْمُومَةٍ، أو شيء يَثْقُلُ عَلَيْهِ إِذَا سَمِعَهُ، لِأَنَّ أَذَاهُ فِي الْجُمْلَةِ حَرَامٌ .
وَقَدْ مَيَّزَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ أَذَاهُ وَأَذَى الرَّسُولِ ، وَأَذَى الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَجَعَلَ الْأَوَّلَ كُفْرًا ، وَالثَّانِيَ كَبِيرَةً، فَقَالَ فِي أَذَى الْمُؤْمِنِينَ: ( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) " انتهى.
وإن كان زوجك في الحقيقة
وواقع الأمر على علاقة محرمة ، بهذه المرأة أو بغيرها ؛ فلا يجوز لك أيضا أن
تستنطقيه ليكشف لك عن حقيقة هذه العلاقة ؛ لأن من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فقد
أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستتر بستر الله تعالى عليه ، ولا يفضح نفسه ،
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (
اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها؛ فمن ألَمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله
، وليتب إلى الله ؛ فإنه من يُبد لنا صفحته نُقم عليه كتاب الله تعالى عز وجل) ،
والقاذورات : يعني المعاصي .
رواه الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " ( 4 / 425 ) ، والبيهقي ( 8 / 330 ) .
وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 149).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه : " ويؤخذ من
قضيته : أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ، ويستر نفسه ، ولا
يذكر ذلك لأحد ، كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز .
وأن مَن اطلع على ذلك : يستر عليه بما ذكرنا ، ولا يفضحه ، ولا يرفعه إلى الإمام ،
كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترته بثوبك لكان خيراً لك " ، وبهذا
جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن
يستره على نفسه ويتوب . واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر .
وفيه : أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم : أن يبادر إلى التوبة منها ، ولا يخبر بها
أحداً ، ويستتر بستر الله ، وإن اتفق أنه أخبر أحداً : فيستحب أن يأمره بالتوبة ،
وستر ذلك عن الناس ، كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر " انتهى من "فتح الباري"
(12/124) .
فمن ستره الله تعالى في
معصية ، ثم كشفها للناس : فقد ارتكب جريمة أخرى ، وهي المجاهرة بالمعصية التي تكشف
عن عدم توقيره لربه سبحانه وعدم اكتراثه بانتهاك حرماته وحدوده جل وعلا .
ولذا فقد أغلظ الرسول صلى الله عليه وسلم على من فعل هذا الفعل وأوعده عدم دخوله في
المعافاة ، وذلك فيما رواه البخاري (6069) ، ومسلم (2990) عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (
كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ :
أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ
اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَيَقُولَ يَا فُلَانُ : عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ،
وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) .
وقد سبق البيان في الفتوى
رقم : (83093) أن المرأة لا تخبر خاطبها
أو زوجها بشيء من معاصيها ، ولو سألها فإنها لا تخبره .
وكذلك الزوج لا يخبر زوجته بشيء من معاصيه ، ولو سألته لا يخبرها .
وعلى ذلك فالنصيحة لك أيتها
السائلة الكريمة أن تتركي زوجك وشأنه ، فلا تكونين عونا للشيطان عليه .
واعلمي أن ما تفعلينه مخالف لمقاصد الشريعة المباركة التي جاءت بالستر على العصاة ،
وعدم كشف أمرهم لئلا يسقط عنهم ستر الله تعالى , فيخلعوا جلباب الحياء , فإنهم إذا
أدركوا أنهم قد عرفوا بالشر والفجور ، فساعتها لن يبالوا بفعل المعاصي جهارا نهارا
، فتكبر المصيبة ويعظم الخطب .
ثم انظري : ما الذي جلبه
عليك سعيك هذا ، وإلحاحك على طرق باب ، لعله لو فتح ، لكان فيه من الشر ، ما الله
به عليم .
فاتقي الله في نفسك ، وفي زوجك ، وفي بيتك ، يا أمة الله ، واستتروا بستر الله ،
وعاشري زوجك بالمعروف ، واتركي عنك الوساوس والظنون ، والشكوك التي توشك ـ إن
استمكنت منك ـ أن تعصف ببيتك كله ؛ وساعتها تندمين على ذلك السعي الدؤوب ، وتودين
لو كنت في غفلة عنه ، وفي عافية منه .
وعليك إن أحسست من زوجك بشيء من الخوض في هذه المنكرات أن تعظيه وتذكريه بالله تعالى بطريق غير مباشر ، وبحكمة ولين لعله يتذكر أو يخشى.
إذا تقرر ذلك فلست الآن بحاجة إلى معرفة صيغة حلف محكمة لا يستطيع الزوج معها الكذب ، أو التورية ، ولا يجوز لك تعليق النكاح ، ولا تحريم نفسك لكي تحصلي على هذا الغرض غير المشروع.
خصوصا وأن تحريم المرأة
نفسها على زوجها لا يترتب عليه التحريم ، ولا يؤثر في عقدة النكاح شيئا ، قال الشيخ
ابن باز رحمه الله تعالى : " أما المرأة إذا حرمت زوجها بأن قالت : أنت علي كظهر
أبي، أو أنت علي حرام ، أو أنا محرمة عليك ، أو ما أشبه ذلك ، فإنها بهذا قد غلطت
وأخطأت ، وعليها التوبة والاستغفار ؛ لأنها حرمت ما أحل الله لها ، وعليها كفارة
اليمين فقط ؛ لقول الله - جل وعلا -: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا
أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) [سورة التحريم 1,2]" انتهى
من موقع الشيخ على هذا الرابط:
http://www.binbaz.org.sa/node/19729
والله أعلم.
تعليق