الحمد لله.
إذا كان المرء صالحا ملازما للصدق في حديثه ، فإن رؤاه تكون صادقة ، غالبا ، مبشرة له أو منذرة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا ) ، أخرجه مسلم (6042).
ومع ذلك فإن الصالحين قد يكون في رؤاهم أضغاث أحلام ، وليس من الناس أحد تصدق جميع رؤاه إلا الأنبياء ؛ لأنها وحي ، وقد روى البخاري تعليقاً عن عبيد بن عمير أنه قال: ” رؤيا الأنبياء وحي ، ثم قرأ : ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُك ) .
قال المهلب : ” الناس على هذا ثلاث درجات : الأنبياء ، ورؤياهم كلها صدق ، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير .
والصالحون : والأغلب على رؤياهم الصدق ، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير .
ومن عداهم : يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث ” انتهى من ” فتح الباري ” (12/362) .
وقال الزرقاني في ” شرح الموطأ ” (4/562) :
” قَالَ بَعْضُهُمْ : …. رُؤْيَا الصَّالِحِينَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الصِّحَّةُ ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا أَضْغَاثٌ نَادِرَةُ الْعَوَارِضِ مِنْ وَسْوَسَةِ نَفْسٍ ، وَحَدِيثِهَا، أَوْ غَلَبَةِ خَاطِرٍ” انتهى .
ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يرون الرؤى المكروهة ، فتمرضهم ، ويدخل عليهم الحزن الشديد بسببها ، فلما أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفث ، والاستعاذة بالله من شرها ، وشر الشيطان ، وطمأنهم بأنها لا تضرهم ، اطمأنوا ، وسكنت أنفسهم .
فعن أبي سلمة قال : ” لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ) ” رواه البخاري (7044) ، ، ومسلم (6040) .
وفي رواية لمسلم (6037) قال أبو سلمة : ” إن كنت لأرى الرؤيا أثقل على من جبل ؛ فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث فما أباليها ” .
قال القرطبي : ” وفائدة هذا : ألا يشغل الرائي نفسه بما يكره في نومه ، وأن يعرض عنه ، ولا يلتفت إليه ؛ فإنَّه لا أصل له . هذا هو الظاهر من الأحاديث ” انتهى من ” المفهم ” (20/6).
فإذا تبين أن الشيطان له نصيب مما يراه الإنسان في منامه ، وأن للنفس نصيبا أيضا ، فليس من الحكمة ولا من الشرع في شيء : أن تنكد المرأة المسلمة عيشها ، وتسعى بنفسها في هدم بيتها ، وتكدير صفوها ، لأجل ما تراه في منامها .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ندب إلى الستر على أهل المعاصي ، بل ندب من رأى الزاني يزني ، أن يستره ، ولا يحدث به أحدا ، ونهى عن التحسس ، والتجسس ، واتباع العورات ، وكشف المستور من أمر الناس ، وهو من أمر اليقظة في ذلك كله ، وربما كان على يقين ، ومشاهدة بالبصر في بعض ذلك الأمر ، ثم هو يندب إلى ستره ، وعدم إفشائه وإشاعته ، وعدم البناء عليه ؛ فكيف إذا كان ذلك أمر منام ، الله أعلم بحقيقته .
وكم من الناس من تكررت عليهم الرؤيا الواحدة مرات ، ومرات ، بل تكررت تلك الرؤيا بعينها ، لأناس عديدين ، ثم لم تكن بعد ذلك إلا أضغاث أحلام ، وتلاعباً من الشيطان بالعباد !!
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من حرص الشيطان على التفريق بين المسلمين عامة ، وبين الزوجين خاصة ، ولن يترك الشيطان وسيلة ليفرق بها بين الزوجين ، في يقظة أو منام إلا وسيبادر إليها ؛ فهذا من أولى أولوياته .
فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاء ِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) ، قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: (فَيَلْتَزِمُهُ) أخرجه مسلم (2813) .
وليس للمرأة حق في البحث عن ماضي زوجها ، كما لا ينبغي للمرأة أن تصارح زوجها بما قد حصل في الماضي وتابت منه ، وليستترا بستر الله ، وينظر في ذلك جواب السؤال : (127635).
تعليق