الحمد لله.
إذا شرب الحيوان الذي تحل ذبيحته خمرا حتى سكر : لم يحرم أكله ، ولم يأخذ حكم الجلالة ؛ لأن الخمر ليست غذاءه ، ولا شرابه ، ولا هي أكثر غذائه ، كما هو معلوم .
والجلالة إنما تحرم إذا كان أكثر غذائها من النجاسات والقذر .
قال ابن القاسم ، رحمه الله ، في طير يصاد بالخمر ، يوضع لها الحياض، فتأتي فتشرب فتسكر ؛ قال: " لا بأس بأكلها " نقله ابن رشد ـ الجد ـ في "البيان والتحصيل" (3/318) ، وأقره . وينظر أيضا : "مواهب الجليل" (1/92) .
بل في "الجامع لمسائل المدونة" (5/789) ، نقل ذلك عن الإمام مالك نفسه ، قال : " قال ابن المواز: وقد قال مالك في صيد يصاد بالخمر ليسكر: لا بأس به " انتهى .
وقال السرخسي رحمه الله : "
وَلَوْ سَقَى شَاةً خَمْرًا ، ثُمَّ ذُبِحَتْ سَاعَتَئِذٍ، فَلَا بَأْسَ
بِلَحْمِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَبَ مِنْهَا اللَّبَنَ، فَلَا بَأْسَ بِشُرْبِهِ؛
لِأَنَّ الْخَمْرَ صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً بِالْوُصُولِ إلَى جَوْفِهَا، وَلَمْ
تُؤَثِّرْ فِي لَحْمِهَا وَلَا فِي لَبَنِهَا وَهِيَ عَلَى صِفَةِ الْخَمْرِيَّةِ
بِحَالِهَا، فَلِهَذَا لَا بَأْسَ بِأَكْلِ لَحْمِهَا، وَشُرْبِ لَبَنِهَا " انتهى،
من "المبسوط" (24/28) .
وقال الجصاص رحمه الله :
قال: (ومن كانت له شاة، فشربت خمرًا، ثم ذبحها ساعتئذ: لم يحرم بذلك لحمها) :
لأنها بمنزلة نجاسة جاورتها، أو جاورت أمعاءها، فلا يفسد بذلك لحمها، كما لو شربت
ماء نجسًا، وكما لا ينجس لحمها ولبنها بمجاورة الدم والفرث، قال الله تعالى : ( من
بين فرث ودمٍ لبنا خالصًا سآئغًا للشاربين ). " انتهى ، من "شرح مختصر الطحاوي
للجصاص" (6/393) .
وقال بدر الدين العيني رحمه
الله : " ولا يجوز سقيها [ يعني : الخمر ] للدواب .
فإن سقى شاة فذبحت من ساعته : أكل لحمها ، لأنه لم يؤثر في لحمها .
فإن اعتادت شرب الخمر، وصارت بحال يوجد ريح الخمر من حلقها :
فإن كان إبلا، يحبس شهرا ثم يؤكل، وإن كان بقرا يحبس عشرين يوما، وإن كان شاة يحبس
عشرة أيام، والدجاجة تحبس ثلاثة أيام " انتهى، من "البناية شرح الهداية" (12/357) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" فَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا – يعني : الجلالة - النَّجَاسَةَ ، حُرُمَ
لَحْمُهَا وَلَبَنُهَا ... .
وَرَخَّصَ الْحَسَنُ فِي لُحُومِهَا وَأَلْبَانِهَا ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَاتِ لَا
تَنْجُسُ بِأَكْلِ النَّجَاسَاتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ لَا يُحْكَمُ
بِتَنْجِيسِ أَعْضَائِهِ ، وَالْكَافِرَ الَّذِي يَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ
وَالْمُحَرَّمَاتِ ، لَا يَكُونُ ظَاهِرُهُ نَجِسًا.
ثم قال ابن قدامة راداً على كلام الحسن السابق :
" وَأَمَّا شَارِبُ الْخَمْرِ ، فَلَيْسَ ذَلِكَ أَكْثَرَ غِذَائِهِ ، وَإِنَّمَا
يَتَغَذَّى الطَّاهِرَاتِ ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ فِي الْغَالِبِ " انتهى بتصرف
يسير من " المغني " (9/413- 414) .
وينظر : "الفروع" لابن مفلح (10/377) ، "الإنصاف" للمرداوي (10/366-367) .
تعليق