الحمد لله.
أولا :
إذا كانت والدتك قد أعطتك هذه الأراضي في مرض موتها كما فهمنا من السؤال ، فهذه العطيّة لها حكم الوصية .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" عطيته في مرض موته ، لبعض ورثته : لا تنفذ ؛ لأن العطايا في مرض الموت بمنزلة الوصية ، في أنها تعتبر من الثلث إذا كانت لأجنبي إجماعا ، فكذلك لا تنفذ في حق الوارث . قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم ، أن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب ، حكم الوصايا ، هذا مذهب المَدِيني ، والشافعي ، والكوفي " .
انتهى من " المغني " (8 / 271) .
والوصية لوارث لا تنفذ إلا برضا جميع الورثة، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم :(106236) .
ثانيا :
أما إذا كانت أعطتك هذه الأراضي في حال صحتها ، فهي عطيّة ، ولا يجوز لأحد من
الوالدين أن يخص بعض أولاده بمال أو عطية دون سائر أولاده ، إلا إذا رضي جميع
الأولاد بذلك ، فلا حرج عليك أن تأخذ هذه الأرض .
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ : " أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال َ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا
، فَقَالَ : (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ ؟ ) ،قَالَ : لاَ . قَالَ :
فَارْجِعْهُ" رواه البخاري (2586) ، ومسلم (1623) .
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" عن رجل أوصى لأولاده الذكور بتخصيص ملك دون الإناث ، وأثبته على يد الحاكم قبل
وفاته : فهل يجوز ذلك ؟
فأجاب : لا يجوز أن يخص بعض أولاده دون بعض في وصيته ، ولا مرض موته ، باتفاق
العلماء .
ولا يجوز له على أصح قولي العلماء أن يخص بعضهم بالعطية في صحته أيضا ، بل عليه أن
يعدل بينهم ، ويرد الفضل ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشير بن سعيد حيث قال
له : ( اردده ) فرده ، وقال: ( إني لا أشهد على جور ) ، وقال له على سبيل التهديد :
( أشهد على هذا غيري ) .
ولا يجوز للولد الذي فضل أن يأخذ الفضل ؛ بل عليه أن يرد ذلك في حياة الظالم الجائر
، وبعد موته ، كما يرد في حياته في أصح قولي العلماء " انتهى من " مجموع الفتاوى "
(31 / 310) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" والصواب : أنه إذا مات وجب على المفضَّل أن يرد ما فضِّل به في التركة ، فإن لم
يفعل خصم من نصيبه إن كان له نصيب ؛ لأنه لما وجب على الأب الذي مات أن يسوي ، فمات
قبل أن يفعل ، صار كالمدين ، والدين يجب أن يؤدى .
وعلى هذا نقول للمفضَّل: إن كنت تريد بر والدك ، فرد ما أعطاك في التركة ...
على كل حال : القول بأنها تثبت قول ضعيف ، والصواب أنه يجب على المفَضَّل أن يرد
الزيادة في التركة ، أو تخصم من نصيبه " انتهى من " الشرح الممتع " (11 / 85 – 86)
.
وقد فهمنا من سؤالك أن بينك
وبين إخوانك الذكور نزاعا في هذه الأراضي ، وأنهم يطالبون بحقهم فيها .
وهذا يعني أنه لا يجوز لك أن تأخذ هذه الأراضي وحدك دونهم .
وأما أخواتك الإناث ، فالذي
ينبغي أن يُسألن الآن : هل يرضين بالتنازل عن حقهن في هذه الأراضي أم لا ؟
لأن تنازلهن في حياة الوالدة يحتمل أنه حياءً منها ، أو مراعاةً لظروف مرضها .. أو
غير ذلك من الأسباب التي تدل على عدم رضاهن .
فإن تنازلن برضاهن فإن هذه
الأراضي تقسم بينك وبين إخوانك الذكور بالتساوي ، وإن طالبت أخواتك بحقهن في هذه
الأراضي ، فالواجب أن تقسم بينكم جميعا ذكورا وإناثا للذكر مثل حظ الأنثيين .
ومن حق البنات أيضا أن يتنازلن لك أنت خاصة ، أو إلى من يشأن ، بعد أن يحصلن على
حقهن .
والله أعلم .
تعليق