الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

حكم الصلاة في ثوب يشف عن لون اللون البشرة ، وهل يعيد ما صلى ?

245149

تاريخ النشر : 15-01-2017

المشاهدات : 55546

السؤال


كنت أصلي في ثوب أسود اللون ، وكنت متقين أنه لا يشف ما تحته ، ولكن بعد زمن تبين لي العكس ، ولا أدري هل هذا الأمر طارئ أم لا ؟ فهل يجب علي قضاء الصلوات الفائتة التي صليتها بهذا الثوب ، وهل ستر العورة من المحظورات التي يعذر فيها بالجهل أم من المأمورات؟

ملخص الجواب

والحاصل أن ثوبك إن كان لا يشف عن لون البشرة إلا بالتأمل، فصلاتك فيه صحيحة، وإن كان يشف بلا تأمل فلا تصح فيه الصلاة، وفي لزوم إعادة ما صليت فيه من الصلوات خلاف، والراجح أنه لا تلزم الإعادة أيضا . والله أعلم.

الجواب

الحمد لله.


أولا:
ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، ويجب أن يكون ذلك بما لا يشف عن لون الجسم ، فإن شف عن لون الجسم لم تصح به الصلاة.
جاء في الموسوعة الفقهية (24/ 175):
" سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِدٍ) وَالآْيَةُ ، وإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بِسَبَبٍ خَاصٍّ ؛ فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لاَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْمُرَادُ بِالزِّينَةِ فِي الآْيَةِ: الثِّيَابُ فِي الصَّلاَةِ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَقْبَل اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ).
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى فَسَادِ صَلاَةِ مَنْ تَرَكَ ثَوْبَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الاِسْتِتَارِ بِهِ وَصَلَّى عُرْيَانًا.
وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ أَنَّهُ يَمْنَعُ إِدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ " انتهى .

وقال ابن قدامة رحمه الله: " والواجب الستر بما يستر لون البشرة .
فإن كان خفيفا يبين لون الجلد من ورائه ، فيعلم بياضه أو حمرته : لم تجز الصلاة فيه ، لأن الستر لا يحصل بذلك" انتهى من المغني (1/651).
وانظر الفتوى رقم : (112014).

فإن كان لون البشرة لا يظهر إلا بالتأمل والتدقيق عن قرب، أو إذا سلط عليه ضوء الشمس ، لم يضر ذلك، واعتبر اللباس ساترا، كما صرح به جماعة من أهل العلم.
قال الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج (2/112): " قول المتن (منع إدراك لون البشرة) أي المعتدل البصر عادة ، كما في نظائره ..
أي : في مجلس التخاطب [أي لمن كان يخاطبه] كذا ضبطه به ابن عجيل ناشري اهـ. وهو يقتضي أن ما يمنع في مجلس التخاطب ، وكان بحيث لو تأمل الناظر فيه ، مع زيادة القرب للمصلي جدا ، لأدرك لون بشرته = لا يضر . وهو ظاهر، وينبغي أن مثل ذلك في عدم الضرر ما لو كانت تُرى البشرة بواسطة شمس أو نار ولا ترى عند عدمها اهـ. " انتهى.

وصرح بذلك المالكية، لكن قالوا: يكره الصلاة بمثل ذلك، وتعاد الصلاة في الوقت.
قال في منح الجليل (1/219): " بساتر كثيف أي صفيق لا يظهر منه اللون بلا تأمل، بأن كان لا يظهر اللون منه دائما ، أو يظهر منه بعد التأمل، لكن الستر بهذا مكروه وتعاد الصلاة فيه في الوقت.
واحترز به عن الشفاف الذي يظهر منه بلا تأمل، فالستر به محرم، وتعاد الصلاة فيه أبدا.
هذا ما استقر عليه كلام عج وارتضاه البناني ، وهو الظاهر، لا ما قاله الرماصي من أن الستر بمبديه بتأمل محرم وإعادة الصلاة فيه أبدية، ولا ما نقله العدوي .. واعتمده ، من صحة الصلاة في الشفاف ، وإعادتها في الوقت" انتهى.

وما دمت كنت تتيقن أن ثوبك لا يشف، ثم بان لك أنه يشف، فالظاهر أنه من هذا النوع الذي لا يظهر من ورائه لون الجلد إلا بتأمل. وإذا كان كذلك فصلاتك فيه صحيحه، ولو اتخذت ثوبا غيره كان أولى.

ثانيا:
ستر العورة من المأمورات ، لأنه شرط لصحة الصلاة كما تقدم، والقاعدة عند جماعة من أهل العلم أنه لا يعذر بالجهل في المأمورات، بمعنى أن الذمة تبقى مشغولة مطالبة بتنفيذ الأمر، مع ارتفاع الإثم.
قال الزركشي رحمه الله: " الجهل والنسيان يعذر بهما في حق الله تعالى في المنهيات دون المأمورات ، والأصل فيه حديث معاوية بن الحكم لما تكلم في الصلاة ولم يؤمر بالإعادة لجهله بالنهي، وحديث يعلى بن أمية حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بنزع الجبة عن المحرم ولم يأمره بالفدية لجهله. واحتج به الإمام الشافعي رضي الله عنه على أن من وطىء في الإحرام جاهلا أو ناسيا فلا فدية عليه.
والفرق بينهما من جهة المعنى أن المقصود من المأمورات إقامة مصالحها ، وذلك لا يحصل إلا بفعلها، والمنهيات مزجور عنها ، بسبب مفاسدها ، امتحانا للمكلف بالانفكاك عنها، وذلك إنما يكون بالتعمد لارتكابها . ومع النسيان والجهالة لم يقصد المكلف ارتكاب المنهي ، فعذر بالجهل فيه " انتهى من المنثور في القواعد (2/19).

فعلى فرض أن هذا الثوب يشف عن لون البشرة ولا تصح الصلاة به، فالأصل أن تعيد ما صليت به .
لكن من أهل العلم من عذر الجاهل في ترك الواجبات والشروط، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال رحمه الله: "وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص ، مثل : أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء ، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص : فهل عليه إعادة ما مضى ؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد .
ونظيره : أن يمس ذَكَره ويصلى ، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر .
والصحيح في جميع هذه المسائل : عدم وجوب الإعادة ؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان ؛ ولأنه قال : (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ : لم يثبت حكم وجوبه عليه ، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ ، أن يعيد واحد منهما ، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة ، لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي ، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء ، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء .
ومن هذا الباب : المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها ، ففي وجوب القضاء عليها قولان ، أحدهما : لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره - ؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام ) أمرها بما يجب في المستقبل ، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي .
وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي مَن يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة ، بل إذا قيل للمرأة : صلِّي ، تقول : حتى أكبر وأصير عجوزة ! ظانَّة أنه لا يخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها ، وفي أتباع الشيوخ ( أي من الصوفية ) طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم ، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات سواء قيل : كانوا كفَّاراً ، أو كانوا معذورين بالجهل ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/ 101) .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (245082).


هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب