الحمد لله.
أولاً :
لا يجوز للرجل أن يهجر زوجته هذه المدة في الفراش ، لأن الواجب على الزوج أن يعف زوجته ، وأن يجامعها بقدر حاجتها ، وقُدرته .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر ، والشهرين ، لا يطؤها ، فهل عليه إثم أم لا ؟ وهل يطالب الزوج بذلك ؟
فأجاب : " يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف ، وهو من أوكد حقها عليه ، أعظم من إطعامها . والوطء الواجب ، قيل : إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة ، وقيل : بقدَر حاجتها وقُدْرته ، كما يطعمها بقدَر حاجتها وقُدْرته ، وهذا أصح القولين " .
انتهى من "مجموع الفتاوى " (32/271).
فإن هجرها هذه المدة قاصدا الإضرار بها فهو آثم ، واختلف العلماء فيما يلزمه ، فذهب بعضهم إلى أنه يأخذ حكم المولي ، فيؤجل أربعة أشهر ، فإن أصر ألزمه القاضي بالطلاق ، وذهب آخرون إلى أنه لا يؤجل هذه المدة ، لأن الضرر تجب إزالته في الحال . فيؤمر في الحال إما أن يعاشر امرأته بالمعروف ، وإما أن يفارقها .
قال ابن رشد: " وأما لحوق حكم الإيلاء للزوج إذا ترك الوطء بغير يمين ، فإن الجمهور على أنه لا يلزمه حكم الإيلاء بغير يمين ، ومالك يلزمه ، وذلك إذا قصد الإضرار بترك الوطء وإن لم يحلف على ذلك ، فالجمهور اعتمدوا الظاهر، ومالك اعتمد المعنى ؛ لأن الحكم إنما لزمه باعتقاده ترك الوطء ، وسواء شد ذلك الاعتقاد بيمين أو بغير يمين ، لأن الضرر يوجد في الحالتين جميعا" انتهى من "بداية المجتهد" (2/101).
وينظر : "المغني" لابن قدامة (8/551) .
وأما إن لم يكن هجرها لقصد الإضرار بها ، بل لقصد تأديبها واستصلاحها ، فإن له أن يهجر المدة التي يغلب على طنه حصول المقصد الشرعي بها ، ودفع مفسدة نشوزها وعصيانها .
وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، فقد جاء في "فتاوى اللجنة" (20/261): " ماذا يترتب على شخص هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر، فهل هذا يدخل في حكم الإيلاء؟ علما أن هذا الهجران كان تأديبا لزوجته على إصرارها على القيام ببعض التصرفات التي تحدث عادة بين الأزواج، وليس فيها ما ينافي الشرع، وما هو الإيلاء وكيف يتم؟
ج: من هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر فإن كان ذلك لنشوزها، أي: لمعصيتها لزوجها فيما يجب عليها له من حقوقه الزوجية، وأصرت على ذلك بعد وعظه لها وتخويفها من الله تعالى، وتذكيرها بما يجب عليها من حقوق لزوجها- فإنه يهجرها في المضجع ما شاء؛ تأديبا لها حتى تؤدي حقوق زوجها عن رضا منها، وقد هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءه فلم يدخل عليهن شهرا، أما في الكلام فإنه لا يحل له أن يهجرها أكثر من ثلاثة أيام؛ لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام أخرجه الإمام البخاري ومسلم في (صحيحيهما)، وأحمد في (مسنده).
أما إن هجر الزوج زوجته في الفراش أكثر من أربعة أشهر إضرارا بها من غير تقصير منها في حقوق زوجها- فإنه كمول ، وإن لم يحلف بذلك، تضرب له مدة الإيلاء، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يرجع إلى زوجته ويطأها في القبل مع القدرة على الجماع إن لم تكن في حيض أو نفاس- فإنه يؤمر بالطلاق، فإن أبى الرجوع لزوجته وأبى الطلاق طلق عليه القاضي أو فسخها منه إذا طلبت الزوجة ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول بأنه لا يؤجل ، بل يطالب برفع الضرر عن الزوجة في الحال ، إما بالمعاشرة بالمعروف ، وإما بالطلاق .
فقال في "الشرح الممتع" (13/233) :
" قوله: وإن ترك وطأها إضراراً بها بلا يمين ولا عذر فكمولٍ يعني فهو كمولٍ، كرجل ترك وطء زوجته بدون يمين ، لكن تركه إضراراً بها : فهذا آثم، فنجعل حكمه حكم المولي، فيضرب له على كلام المؤلف أربعة أشهر منذ ترك، لكن بشرط أن يكون المقصود الإضرار بها، فنقول: إما أن تجامع وتعاشر بالمعروف، وإلا إذا طلبت الفسخ فسخ.
وقيل: إنه ليس كمولٍ، ولا يمكن أن نجعل حكمه كحكمه مع اختلاف الواقع ، وهذا أصح ؛ أن الذي يترك وطأها إضراراً بها، بدون يمين ، وبدون عذر : أنه ليس بمولٍ، بل يطالب بالمعاشرة بالمعروف، وإلا تملك الفسخ أو الطلاق .
والفرق بينه وبين المولي، أن المولي آلى وحلف ، فترتب على حلفه التربص الذي ذكره الله عزّ وجل؛ مراعاةً ليمينه، أما هذا فمجرد إضرار بها، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرا)، وقال تعالى: (وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) [البقرة: 231]، فكيف نقول: إن الضرار أربعة أشهر؟!
فالصواب في هذا أن يقال: إن من ترك وطأها إضراراً بها، وليس له عذر ؛ فإنه يطالب بالرجوع فوراً، والمعاشرة بالمعروف، وإلا فيُطلق عليه" انتهى .
وعلى أيِّ من القولين فالمدة المذكورة في السؤال (سنتان) مدة طويلة جدا ، ولا يمكن أن يرجى حصول مصلحة شرعية من التمادي في الهجر بعدها ، بل يخشى أن يفتح ذلك باب فساد في البيت ، وإفساد لفراش الزوج ، بتطلع الزوجة إلى ما لا يحل لها ، إذا لم يعفها زوجها بما أحل الله .
وحينئذ ، فإما أن يعاشرها بالمعروف ، إذا استقام لهما العيش ، أو يفارقها ، إن لم يستقم أمر عيشها معه ، دفعا لذلك الضرر البالغ بها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال ، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد ، ولو مع قدرته وعجزه ، كالنفقة وأولى" انتهى من " الفتاوى الكبرى " (5/480) .
وأما بقاء الزواج ، فالزواج لا يزال باقيا بينهما ، ولا يفرق بينهما إلا بعد مطالبة الزوجة بحقها ، وإصرار الزوج على منعه .
ثانيا :
حفظ القرآن الكريم أعظم ما يفني المرء فيه عمره ، وأولى ما يقضي فيه دهره ، إذ هو كلام الله تعالى ، رب الأرض والسماوات ، وخالق كل شيء سبحانه .
روى البخاري في صحيحه (5027) عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ).
وانظري جواب السؤال رقم : (111921) وهو بعنوان: تريد نصيحة لزوجها كي يحفظ القرآن الكريم .
وإذا كان مراد السائلة بقولها إن زوجها لا يحب تعلم القرآن ، أنه لن يستجيب للفتوى الشرعية ، فإن السبيل أمامها هو مراجعة الجهات المختصة بالنظر في قضايا المسلمين كالمراكز الإسلامية ، فإنها تقوم مقام القضاء الشرعي ، فيناصح الزوج ، ويؤمر بمعاشرة زوجته بالمعروف ومن ذلك الوطء وغيره ، فإن أبى أمر بالطلاق ، فإن لم يفعل طلق المركز عليه زوجته.
وانظري: جواب السؤال رقم : (175230) .
والله أعلم.
تعليق