الحمد لله.
هذا الحديث يرويه كل من (سفيان بن عيينة ، وحماد بن زيد) عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
ولم نجد في جميع موارد رواية سفيان بن عيينة كلمات الشك والتردد في ألفاظ الحديث، فعلمنا أن الشك لم يقع من قبل سفيان بن عيينة ، ولا من جهة شيخه عمرو بن دينار، بل وقع من حماد بن زيد ، أو من تلاميذه ، وليس ثمة احتمال ثالث .
والترجيح بين هذين الاحتمالين يكون بجمع مرويات تلاميذ حماد بن زيد، فإن وجدناهم مجتمعين على حكاية الشك والتردد في بعض ألفاظ الحديث، تبين لنا أن السبب هو حماد بن زيد نفسه، وليس من أحد تلاميذه ؛ لأن من البعيد أن يجتمع تلاميذ حماد بن زيد على "الشك" من تلقاء أنفسهم ، إلا أن يكونوا سمعوا الرواية بالشك عن شيخهم حماد بن زيد رحمه الله .
وقد تبين لنا – بعد تتبع طرق
الحديث – أن السبب الراجح في ورود الشك في الرواية هو حماد بن زيد، وأنه هو الذي
تردد وجاء بحرف الشك ( أو ) في بعض ألفاظ الحديث، وأن الرواة عنه إنما كانوا يؤدون
بنحو ما يسمعون منه، بدليل أن جماعة من تلاميذه رووا الحديث بالشك، وهم:
1. مسدد بن مسرهد : كما في "صحيح البخاري" (رقم/5367) .
2. أبو النعمان محمد بن الفضل عارم، كما في "صحيح البخاري" (رقم/6387) .
3. يحيى بن يحيى، كما في "صحيح مسلم" (رقم/715) .
4. أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، كما في "صحيح مسلم" (رقم/715) .
5. قتيبة بن سعيد، كما في "سنن الترمذي" (رقم/1100).
6. عبيد الله بن عمر القواريري، كما في "مسند أبي يعلى" (3/473).
7. أحمد بن عبدة ، كما في "صحيح ابن حبان" (16/86).
8. سليمان بن حرب ، كما في "المسند المستخرج على صحيح مسلم" (4/138).
فهؤلاء ، وإن كان بينهم بعض التفاوت في حكاية الشك بحرف (أو)، إلا أنهم جميعهم رووا
الحديث بقدر من التردد ، الأمر الذي يدل على سماعهم الحديث على هذا الوجه من حماد
بن زيد، فيتحمل هو رحمه الله ما وقع في الرواية.
يقول يعقوب بن شيبة رحمه الله:
"حماد بن زيد معروف بأنه يقصر في الأسانيد ، ويوقف المرفوع ، كثير الشك بتوقيه ،
وكان جليلا ، ولم يكن له كتاب يرجع إليه، فكان أحيانا يذكر فيرفع الحديث، وأحيانا
يهاب الحديث ولا يرفعه" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال" (4/139) .
فحماد بن زيد إمام حافظ ولا شك ، ولكن وقعت له بعض الشكوك في بعض الروايات ، وذلك
من تثبته وتحريه رحمه الله .
ومن أمثلة تردداته المشهورة قول أبي داود رحمه الله: قال قُتَيبةُ: قال حمَّاد: لا
أدري هو مِن قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو أبي أمامة، يعني قصَّة الأُذُنين [يعني
قوله: والأذنان من الرأس]" انتهى من "سنن أبي داود" (1/ 94) .
ومما يؤكد ذلك أن الإمام
البخاري رحمه الله نبه على الخلاف بين سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، في بعض ألفاظ
الحديث، الأمر الذي يشير إلى وقوع المخالفة من حماد بن زيد، وليس من الرواة عنه.
يقول البخاري رحمه الله:
"حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو، عن جابر رضي الله عنه، قال: هلك
أبي وترك سبع أو تسع بنات، فتزوجت امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تزوجت يا
جابر قلت: نعم، قال: بكرا أم ثيبا قلت: ثيبا، قال: هلا جارية تلاعبها وتلاعبك،
أو تضاحكها وتضاحكك قلت: هلك أبي فترك سبع أو تسع بنات، فكرهت أن أجيئهن بمثلهن،
فتزوجت امرأة تقوم عليهن، قال: فبارك الله عليك.
لم يقل ابن عيينة، ومحمد بن مسلم، عن عمرو: بارك الله عليك" .
انتهى من "صحيح البخاري" (8/ 82) .
هذا وللحديث طرق أخرى عن جابر، ليس في شيء منها هذه الشكوك الواردة في طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار، ليس هذا محل تفصيلها وبيانها. يمكن مراجعة بعضها في "المسند المصنف المعلل" (5/438، 465، 470، 472، 473، 476، 478) (6/114) .
والله أعلم.
تعليق