الحمد لله.
أولا:
للمرأة ذمتها المالية المستقلة ، فما تكسبه من راتب وغيره ملك لها، ولها أن تتصرف فيه بما تحب إذا كانت رشيدة ، ومن ذلك التبرع به لأخيها أو غيره في قول جمهور الفقهاء ، وقيده بعضهم بالثلث أي ليس لها أن تتبرع من مالها ، بدون إذن زوجها ، إلا في حدود ثلث مالها .
والراجح أن لها التصرف في جميع مالها، لكن من باب حسن العشرة ومراعاة الزوج ينبغي أن تعلمه بتصرفها ، لا سيما في الأموال الكثيرة.
وقد روى البخاري (978) ، ومسلم (885) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ ، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ ، فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلالٍ ، وَبِلالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ . وفي رواية قَالَ : فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفي هذا الحديث جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها " انتهى من "فتح الباري" (1/193).
وقال النووي رحمه الله : " وفي هذا الحديث جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها ، ولا يتوقف ذلك على ثلث مالها . هذا مذهبنا ومذهب الجمهور .
وقال مالك : لا يجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضاء زوجها .
ودليلنا من الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسألهن : استأذن أزواجهن في ذلك أم لا؟ وهل هو خارج من الثلث أم لا ؟ ولو اختلف الحكم بذلك لسأل " انتهى من "شرح مسلم" (6/173).
فإن كانت الزوجة سفيهة لا تحسن التصرف في المال ، فلزوجها أن يمنعها من التبرع به ، وعلى ذلك حمل الجمهور قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لاَ يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا ) رواه الإمام أحمد في مسنده (6643)، وأبو داود (3547) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"
وانظر تفصيل هذه المسألة في
جواب السؤال رقم : (48952) ، ورقم : (4037)
.
وعليه، فللزوجة إقراض أخيها دون إذن زوجها، بل لها الهبة والصدقة ، كما سبق.
ثانيا:
ليس للزوج أن يأخذ من مال زوجته إلا ما طابت به نفسها، وليس له أن يقترض على راتبها؛
لعموم الأدلة في تحريم مال المسلم، ولقوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ
نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا
مَرِيئًا) النساء/4، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ
إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) ، وصححه الألباني في "الإرواء"
(5/ 279).
فإن كان القرض الذي يريده قرضا ربويا، لم يجز لها إعانته عليه، ولا السعي في حصوله.
ولا يلزم المرأة الإنفاق على
البيت ، ولو كانت غنية .
لكن إن تزوجها زوجها وهي لا تعمل ولم تشترط عليه العمل، جاز له أن يمنعها من العمل،
وأن يأذن لها مقابل إعطائه جزءا من راتبها؛ لتفويتها حقه بالعمل.
وإن تزوجها وهي تعمل لم يكن له الحق في منعها من العمل بعد ذلك .
وينظر الفتوى رقم : (126316) ، و (156154)
.
ثالثا:
ليس للزوج أن يهدد زوجته بالطلاق إن هي أقرضت أخاها، وهو مسيء في ذلك لمنعها من
حقها في التصرف ، ولا يلزمها الاستجابة له.
والذي ننصحها به في ذلك : أنه إن كان إقراضها المال لأخيها سوف يعرضها للطلاق أو
ينغص عيشها مع زوجها أنها تعتذر لأخيها ولا تقرضه شيئا من المال .
وإن استطاعت أن تعطيه شيئا من غير علم زوجها وغلب على ظنها أن هذا التصرف لن يعرضها
للضرر ، فلا بأس بذلك .
وتداري زوجها وتسترضيه بشيء من مالها فذلك خير لها من الطلاق ومن دوام الخصومات
والمنازعات .
وينبغي أن توسط من أهل العلم والخير من يصلح بينها وبين زوجها، ويبين له خطأه.
والواجب على المؤمن أن يكون رجاعا للحق، وأن يحكم كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى
الله عليه وسلم في كل صغير وكبير.
والله أعلم.
تعليق