الخميس 16 شوّال 1445 - 25 ابريل 2024
العربية

هل صح أن الحسين وعبدالله بن عمر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين نكحوا بنات كسرى ؟

252872

تاريخ النشر : 08-05-2017

المشاهدات : 80212

السؤال


هل صح أن الحسين وعبدالله بن عمر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين نكحوا بنات كسرى ؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب : قصة نكاح الحسين وعبد الله بن عمر ومحمد بن أبي بكر رضوان الله عليهم أجمعين لبنات كسرى لم نقف على دليل موثوق به ، يؤكده وقوعها .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
قصة نكاح الحسين وعبد الله بن عمر ومحمد بن أبي بكر رضوان الله عليهم أجمعين لبنات كسرى ، وردت في بعض كتب التاريخ ؛ ومن ذلك :
قال الزمخشري المتوفى سنة (538 هـ) :
" أبو اليقظان : إن قريشا لم تكن ترغب في أمهات الأولاد حتى ولدن ثلاثا هم خير أهل زمانهم : علي بن الحسين ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله .
وذلك أن عمر رضي الله عنه أتى بنات يزدجرد بن شهريار بن كسرى سبيات ، فأراد بيعهن ، فقال له علي : إن بنات الملوك لا يُبعن ، ولكن قوموهن ، فأعطاه أثمانهن ، فقسمهن بين الحسين بن علي ، ومحمد بن أبي بكر الصديق ، وعبد الله بن عمر ، فولدن الثلاثة " .
انتهى من " ربيع الأبرار " (3 / 350) .

لكن هي قصة مشكوك فيها جدا للآتي :
1- القصة كما رأينا لم تذكر بسند موثوق به ، ولم نقف على ذكر لها في كتب أهل العلم قبل الزمخشري ، وعنه نقلها من جاء بعده من المؤرخين كابن كثير في " البداية والنهاية " (12 / 479) ، والصفدي في " الوافي بالوفيات " (20 / 230) ، واليافعي في " مرآة الجنان " (1 / 151) وغيرهم .

إلا أن المبرد - وكان قبل الزمخشري – ذكر في كتابه " الكامل " :
" وكانت أمّ عليّ بن الحسين " سلافة " من ولد يزدجرد ، معروفة النّسب ، وكانت من خيرات النّساء ... " انتهى .

فذكر المبرد هذا الخبر بغير إسناد . والخبر إذا لم يكن له إسناد صحيح ، ولم يتواتر مضمونه ، ويتناقله أهل الفن على وجه القبول والتصديق : لم يكن عمدة في أمره؛ غايته أن يكون من باب الاعتبار ، وقصص التواريخ تحكى .

2- ورد خبر مسند يشبه خبر الزمخشري ، لكن دون ذكر بنات كسرى .
فروى ابن عساكر بسنده عن الأصمعي عن أبي الزناد ، قال : ( كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم القراء السادة : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقهاء ، ففاقوا أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا ، فرغب الناس حينئذ في السراري ) .
انتهى من " تاريخ دمشق " (20 / 57) .
ونقله المزي في " تهذيب الكمال " (10 / 150) عن الأصمعي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد .
و" أمهات الأولاد " جمع لـ " أم ولد " وهي الأمة والجارية إذا جامعها سيدها فولدت له ، فإنها تصير " أم ولد " ولها بعض الأحكام في الفقه تختص بها .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" أم الولد: هي – الجارية - التي ولدت من سيدها في ملكه ...
وكان علي بن الحسين ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، من أمهات أولاد .
ويروى أن الناس لم يكونوا يرغبون في أمهات الأولاد ، حتى ولد هؤلاء الثلاثة من أمهات الأولاد ، فرغب الناس فيهن " انتهى من " المغني " (14 / 580) .

والمشتهر والمقدم في كتب التاريخ والتراجم المعتمدة في تراجم علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب : أنّ أمهاتهن كن أمهات أولاد فقط ، ولم يشتهر أنهن بنات كسرى ، ومن ذلك :
قال ابن سعد في " الطبقات " (5 / 211) :
" علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، وأمه : أم ولد ، اسمها غزالة ، خلف عليها بعد حسين : زبيد ، مولى الحسين بن علي فولدت له عبد الله بن زبيد ، فهو أخو علي بن حسين لأمه " انتهى .
وقال البلاذري :
" قالوا: وكانت أم عَلِيّ بْن الْحُسَيْن سجستانية ، تدعى سلافة " .
انتهى من " انساب الأشراف " (3 / 325) .
وقال ابن قتيبة في " المعارف " (ص 214) :
" وأما " عليّ بن الحسين الأصغر " فليس للحسين عقب إلا منه . ويقال : إن أمه سنديّة ، يقال لها : سلافة – ويقال : غزالة - خلف عليها بعد " الحسين " : زبيد ، مولى " الحسين بن على " . فولدت له : عبد الله بن زبيد ، فهو أخو " عليّ بن الحسين " لأمه " انتهى .

أما القاسم بن محمد بن أبي بكر ، فقد ذكر ابن سعد في " الطبقات " (5 / 187) :
" القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وأمه أم ولد يقال لها سودة " انتهى .

وتابعه أهل العلم على هذا ولم يذكروا أنها بنت كسرى ، ولو كانت بنتا لكسرى لذكروا ذلك ؛ لأن هذا مما يشتهر ولا يخفى ، فكيف يذكرون اسمها ويحفظونه ويخفى اسم أبيها مع شهرته ؟!

والكلام نفسه ينطبق على أم سالم بن عبد الله بن عمر ، حيث قال ابن سعد رحمه الله تعالى :
" سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأمه أم ولد " انتهى من " الطبقات " (5 / 195) .

3- هذه الرواية تعارض بعض ما ثبت أو اشتهر من وقائع التاريخ ؛ ومن ذلك :
- أن محمد بن أبي بكر الصديق كان عمره حين توفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يتجاوز13 سنة ، فقد صح أنه ولد في حجة الوداع في السنة 10 للهجرة .
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله ِ، قال : " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ ، حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أبِي بَكْرٍ " رواه مسلم (1218) .
والخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه توفي سنة 23 للهجرة .

وعلى ما ذكره الزمخشري ، يكون محمد بن أبي بكر نكح بنت كسرى وهو أقل من ثلاث عشرة سنة.
وإذا أردنا الدقة أكثر ، فإن مدن كسرى كالمدائن و بهرسير التي يحتمل أنها كانت مكان إقامة بناته ، فتحها المسلمون في سنة 16 للهجرة ، وعمر محمد بن أبي بكر يومئذ ست سنوات ، فهل ينكح النساء في مثل هذه السن ؟!

- المشهور في كتب التاريخ أن يزدجرد كسرى الفرس في عهد عمر رضي الله عنه كان عرشه دائم البعد عن أماكن المعارك ؛ لأنه كان يتنقل بعرشه وأهله مبتعدا كلما اقتربت الجيوش الإسلامية منه .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى الذي كان ملك الفرس لما استلب سعد من يديه مدينة ملكه، ودار مقره ، وإيوان سلطانه ، وبساط مشورته وحواصله ، تحول من هناك إلى حلوان ، ثم جاء المسلمون ليحاصروا حلوان ، فتحول إلى الري ، وأخذ المسلمون حلوان ، ثم أخذت الري ، فتحول منها إلى أصبهان ، فأخذت أصبهان ، فسار إلى كرمان ، فقصد المسلمون كرمان فافتتحوها ، فانتقل إلى خراسان فنزلها .
هذا كله ، والنار التي يعبدها من دون الله يسير بها معه ، من بلد إلى بلد ، ويبنى لها في كل بلد بيت توقد فيه على عادتهم " انتهى من " البداية والنهاية " (10 / 163 - 164) .

وقال الطبري رحمه الله تعالى :
" لما رأى المشركون المسلمين وما يهمون به ، بعثوا من يمنعهم من العبور ، وتحملوا ، فخرجوا هرابا ، وقد أخرج يزدجرد - قبل ذلك وبعد ما فتحت بهرسير - عياله إلى حلوان ، فخرج يزدجرد بعد حتى ينزل حلوان ، فلحق بعياله ، وخلف مهران الرازي والنخيرجان - وكان على بيت المال- بالنهروان ، وخرجوا معهم بما قدروا عليه من حر متاعهم وخفيفه ، وما قدروا عليه من بيت المال ، وبالنساء والذراري " انتهى من " تاريخ الطبري " (4 / 13 - 14) .

فالحاصل ؛ أن أهله وحاشيته كانوا دوما بعيدين عن أماكن القتال في عهد عمر رضي الله عنه ، فمن المستبعد أن يعرض بناته للقتل أو الأسر ، وإنما تفرق شمله وقتل في عهد عثمان رضي الله عنه .

ثالثا :
على فرض صحة هذه الرواية ، فنكاح المسلم لابنة كسرى ليس نقصا ومثلبة ، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين صفية وأبوها حيي بن أخطب كان من زعماء اليهود في المدينة .

وفي الوقت ذاته هذا النكاح ليس – في نفسه - فضيلة ولا منقبة للفرس؛ فالفضل بالتقوى وليس بالنسب .
قال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات /13 .

فالحاصل ؛ أن قصة نكاح الحسين وعبد الله بن عمر ومحمد بن أبي بكر رضوان الله عليهم أجمعين لبنات كسرى ؛ هي قصة لم نقف على دليل موثوق به ، يؤكده وقوعها .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب