الاثنين 17 جمادى الأولى 1446 - 18 نوفمبر 2024
العربية

حكم استعمال الهاتف والكمبيوتر لو ثبت أنه يحتوي على الذهب

253972

تاريخ النشر : 06-11-2016

المشاهدات : 21966

السؤال


هل أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة محرمةً على الرجال ؛ لأن المعالجات التي بداخلها تحتوي على قدرٍ ما من الذهب ، ولكن ليس في صورته النقية ، وقد وجدت هذه المعلومات على بعض القنوات في اليوتيوب ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا:
كون المعالجات لأجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة تحتوي على قدر من الذهب، كان أمرا قديما، وبنسب قليلة جدا، لجودة توصيل الذهب للكهرباء، ثم استغني عن ذلك الآن بمعالجات السليكون والنحاس أو الألومونيوم، كما أفادنا أحد المختصين.
وعليه فلا يرد هذا السؤال، فلم تعد المعالجات تحتوي شيئا من الذهب.

ثانيا:
إذا فرض وجود الذهب المعروف في آلة ما، فإنه يحرم استعمالها على الرجال والنساء ، عند من يقول بأنه يحرم استعمال الذهب في غير الأكل والشرب، وهم الجمهور.
وإنما حرم على النساء لأن المباح لهن من الذهب هو الحلي، فما لم يكن حليا، فإنه يحرم عليهن استعماله، ومن ذلك القلم من الذهب، يحرم عليهن استعماله كما يحرم على الرجال.
قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: يستوي في تحريم استعمال إناء الذهب والفضة الرجال والنساء, وهذا لا خلاف فيه لعموم الحديث وشمول المعنى الذي حرم بسببه ، وإنما فرق بين الرجال والنساء في التحلي لما يقصد فيهن من غرض الزينة للأزواج والتجمل لهم " انتهى من " المجموع "(1/306) .
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله: " أبيح التحلي للنساء لحاجتهن إليه لأجل التزين للزوج ، وما حرم اتخاذ الآنية منه ، حرم اتخاذ الآلة منه ، ولو كانت مِيلا وهو ما يكتحل به ، ومثل الميل في تحريم اتخاذه واستعماله من الذهب والفضة : قنديل ، وسرير ، وكرسي ، ونعلان ، وملعقة ، وأبواب ، ورفوف " انتهى باختصار من "كشاف القناع" (1/51).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله " : الأقلام من الذهب والفضة لا يجوز استعمالها للرجال والنساء جميعا ؛ لأنها ليست من الحلية وإنما هي أشبه بأواني الذهب والفضة ، والأواني من الذهب والفضة محرمة على الجميع ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا [يعني : الكفرة] ، ولكم في الآخرة ) متفق على صحته " انتهى باختصار من " مجموع فتاوى ابن باز " (19/72) .

وذهب بعض أهل العلم إلى أن المحرم هو لبس الرجل للذهب، أو استعمال الذهب أو الفضة في آنية الأكل والشرب، وأما الأدوات الأخرى –غير الملبوسة- فلا تحرم، كمكحلة من ذهب أو فضة.
قال الشوكاني رحمه الله: " ولا شك أن أحاديث الباب تدل على تحريم الأكل والشرب، وأما سائر الاستعمالات فلا. والقياس على الأكل والشرب قياس مع فارق؛ فإن علة النهي عن الأكل والشرب هي التشبه بأهل الجنة ، حيث يطاف عليهم بآنية من فضة ، وذلك مناط معتبر للشارع، كما ثبت عنه لما رأى رجلا متختما بخاتم من ذهب فقال : ( ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة) أخرجه الثلاثة من حديث بريدة. وكذلك في الحرير وغيره، وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي والافتراش للحرير؛ لأن ذلك استعمال ، وقد جوزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال.
وأما حكاية النووي للإجماع على تحريم الاستعمال فلا تتم مع مخالفة داود والشافعي وبعض أصحابه، وقد اقتصر الإمام المهدي في البحر على نسبة ذلك إلى أكثر الأمة .
على أنه لا يخفى على المنصف ما في حجية الإجماع من النزاع والإشكالات التي لا مخلص عنها.
والحاصل : أن الأصل الحل ، فلا تثبت الحرمة إلا بدليل يسلمه الخصم ، ولا دليل في المقام بهذه الصفة، فالوقوف على ذلك الأصل المعتضد بالبراءة الأصلية هو وظيفة المنصف الذي لم يخبط بسوط هيبة الجمهور .
لا سيما وقد أيد هذا الأصل حديث: ( ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا ) أخرجه أحمد وأبو داود، ويشهد له ما سلف أن أم سلمة جاءت بجُلجل من فضة ، فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخضخضت. الحديث في البخاري ، وقد سبق .
وقد قيل إن العلة في التحريم الخيلاء أو كسر قلوب الفقراء، ويرد عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة ، وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة ولم يمنعها إلا من شذ . وقد نقل ابن الصباغ في الشامل الإجماع على الجواز وتبعه الرافعي ومن بعده .
وقيل العلة التشبه بالأعاجم، وفي ذلك نظر لثبوت الوعيد لفاعله، ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك" انتهى من "نيل الأوطار" (1/ 81).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصحيح: أن الاتخاذ والاستعمال في غير الأكل والشرب ليس بحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشرب، ولو كان المحرم غيرهما لكان النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو أبلغ الناس، وأبينهم في الكلام ـ لا يخص شيئا دون شيء، بل إن تخصيصه الأكل والشرب دليل على أن ما عداهما جائز؛ لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك.
ولو كانت حراما مطلقا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتكسيرها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع شيئا فيه تصاوير إلا كسره أو هتكه، لأنها إذا كانت محرمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة.
ويدل لذلك أن أم سلمة ـ وهي راوية الحديث ـ كان عندها جلجل من فضة جعلت فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فكان الناس يستشفون بها، فيشفون بإذن الله، وهذا في صحيح البخاري ، وهذا استعمال في غير الأكل والشرب" انتهى من "الشرح الممتع" (1/ 75).

وعلى هذا القول، فلا يضر لو كان الهاتف من ذهب أو به ذهب، وكذلك الحاسب.

فعلى القول الأول، يحرم الذهب في ثلاث صور: لبسه للرجال، واستعماله في آنية الأكل والشرب، واستعماله أو الاحتفاظ به في أي أداة أو آلة على النساء والرجال.
وعلى القول الثاني، يحرم الأول والثاني دون الثالث، فلا حرج في استعمال الهاتف أو الحاسوب ولو كان به ذهب، على الرجال أو النساء.
وأيضا: فالشافعية- وهم قائلون بتحريم استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب- يرون أن العلة هي الذهب بشرط ظهور الخيلاء، فلو كان الذهب مستورا مغطى لم يحرم الاستعمال، وعليه : فيجوز استعمال الهاتف والحاسوب، لأن ما بداخلهما من الذهب مستور.
قال في "تحفة المحتاج" (1/ 119) : " والعلة العين [أي الذهب] ، بشرط ظهور الخيلاء ، أي التفاخر والتعاظم، ومن ثمّ قالوا: لو صدئ إناء الذهب ، أي بحيث ستر الصداء جميع ظاهره وباطنه : حل استعماله ؛ لفوات الخيلاء " انتهى.
وعند المالكية في إناء الذهب المغشى بغيره قولان، وينظر: "حاشية الدسوقي" (1/ 64).
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب