الحمد لله.
الحديث المذكور : ضعيف ، لا يثبت . وبيان ذلك :
هذا الحديث أخرجه المشرف بن المرجى في "فضائل بيت المقدس" (ص 324) فقال : أخبرنا أبو الفرج ، قال: أبنا عيسى ، قال: أبنا علي ، قال: ثنا محمد بن حسن بن قتيبة العسقلاني بالرملة ، قال: ثنا محمد بن النعمان ، قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل ، قال: أبنا هانئ بن عبد الرحمن ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن عبد الله بن الديلمي ، عن عبد الرحمن بن غنم قال: سمعت معاذ بن جبل يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا معاذ ، إن الله سيفتح عليكم الشام من بعدي ، من العريش إلى الفرات ، رجالهم ونساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة ، فمن احتل ساحلاً من سواحل الشام ، أو بيت المقدس ، فهو في جهاد إلى يوم القيامة ".
والحديث ضعيف فيه أكثر من علة :
الأولى : فيه هانئ بن عبد الرحمن ، ذكره ابن حبان في "الثقات" (7/584) وقال :" رُبمَا أغرب " ، وقال الذهبي في "السير" (18/389) :" وَلاَ أَعْرف حَال هَانِئ ". انتهى
الثانية : فيه سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل وهو ثقة إلا أنه كان فيه غفلة ، ولذا وقعت بعض المناكير في رواياته ، ولذا يحتج بحديثه إذا روى عن الثقات المشهورين ، أما إن روى عن المجاهيل فيتوقف في روايته ، قال أبو حاتم :" سليمان بن شرحبيل صدوق مستقيم الحديث ، ولكنه أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين ، وكان عندي في حد لو أن رجلا وضع له حديثا : لم يفهم ، وكان لا يميز " كذا في "الجرح والتعديل" (4/129) ، وقال ابن حبان في "الثقات" (8/278) :" يعْتَبر حَدِيثه إِذا روى عَن الثِّقَات الْمَشَاهِير، فَأَما رِوَايَته عَن الضُّعَفَاء والمجاهيل : فَفِيهَا مَنَاكِير كَثِيرَة لَا اعْتِبَار بهَا ". انتهى .
وهنا قد روى عن هانئ بن عبد الرحمن ، مجهول الحال ، ثم هو يأتي بغرائب ومناكير .
الثالثة : فيه محمد بن النعمان بن بشير السقطي ، ترجم له الخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" (1278) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (26/159) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ، وقال ابن حجر في "لسان الميزان" (7498) :" مجهول" .
وللحديث شاهدان : أحدهما مكذوب ، والآخر غير صحيح :
الأول : من حديث أبي هريرة ، وقد أخرجه المشرف بن المرجى في "فضائل بيت المقدس" (ص 324) من طريق موسى بن أيوب النصيبي ، قال: ثنا أبو عبد الرحمن الأعرج ، عن سعيد بن واقد ، عن مقاتل بن حيان ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ستفتح على أمتي الشام من بعدي فتحًا وشيكًا ، فإذا فتحها الله تعالى ونزلها المسلمون وأهلها إلى منتهى الجزيرة ، ورجالهم ونساؤهم وصبيانهم وإماؤهم وعبيدهم مرابطون إلى يوم القيامة ، فمن نزل عند ذلك ساحلاً من السواحل فهو في جهاد ، ومن نزل ببيت المقدس وما حوله فهو في رباط ".
وهذا حديث مكذوب ، فيه سعيد بن عبد الملك بن واقد ، قال أبو حاتم :" يتكلمون فيه يقال أنه أخذ كتبا لمحمد بن سلمة ، فحدث بها ، ورأيت فيما حدث به أحاديث كذب " . كذا في "الجرح والتعديل" (4/45)
الثاني : من حديث أبي الدرداء ، وله عنه طريقان :
الأول : أخرجه المشرف بن المرجى في "فضائل بيت المقدس" (ص 324) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/282) من طريق هشام بن عمار ، قال أنا أبو مطيع معاوية بن يحيى عن أرطأة بن المنذر عن من حدثه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أهل الشام وأزواجهم وذراريهم وعبيدهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون ؛ فمن نزل مدينة من المدائن فهو في رباط أو ثغر من الثغور فهو في جهاد ".
وإسناده ضعيف ، فيه راو لم يسم ، وهو شيخ أرطأة بن المنذر .
وأما الثاني عن أبي الدرداء : فأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/282) من طريق عمرو بن عثمان قال أنا ابن حمير عن سعيد البجلي عن شهر بن حوشب عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" سيفتح على أمتي من بعدي الشام وشيكا ، فإذا فتحها فاحتلها بأهل الشام مرابطون إلى منتهى الجزيرة ، رجالهم ونساؤهم وصبيانهم وعبيدهم ، فمن احتل ساحلا من تلك السواحل فهو في جهاد ومن احتل بيت المقدس وما حوله فهو في رباط ".
وهو طريق ضعيف أيضا ، فيه سعيد البجلي هذا لا يعرف ، وفيه شهر بن حوشب ضعيف مشهور .
وقد ضعف الشيخ الألباني رحمه الله طريق أبي الدرداء كما في "السلسلة الضعيفة" (1548)
وعلى كلٍ : فالحديث لا يصح من طريق معاذ ، ولا بشاهديه طريق أبي هريرة ، وطريق أبي الدرداء .
ومعنى الحديث : أن الشام سيفتحها الله للمسلمين ، وحدُّها من العريش بمصر إلى الفرات بالعراق ، فإذا فتحت فإن أهلها جميعا الرجال والنساء في رباط إلى يوم القيامة .
وختاما : لمن أراد الاستزادة من الأحاديث الصحيحة الواردة في فضائل الشام يمكنه مراجعة كتاب " تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق لأبي الحسن علي بن محمد الربعي" للشيخ الألباني رحمه الله ، فهو نافع في بابه ، ونسأل الله أن يرد بيت المقدس للمسلمين ، وأن يعجل بنصره ، إنه قوي متين .
والله أعلم
تعليق