الحمد لله.
أولا:
تفويض الطلاق : أن يقول الرجل لزوجته : طلقي نفسك ، أو طلقي نفسك إن شئت، أو اختاري نفسك.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/ 1119): " ذهب جمهور الفقهاء إلى تقسيم ألفاظ التفويض في الطلاق إلى صريح وكناية ، فالصريح عندهم ما كان بلفظ الطلاق ، كطلقي نفسك إن شئت ، والكناية ما كان بغيره كاختاري نفسك، وأمرك بيدك.
وفرق الحنابلة بينهما، فجعلوا لفظ الأمر [أي : أمرك بيدك] من باب الكناية الظاهرة ، ولفظ الخيار من باب الكناية الخفية . وتفتقر ألفاظ التفويض الكنائية إلى النية بخلاف الصريح منها " انتهى.
ثانيا:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن التفويض يبطل بالجماع ، ويبطل برد الزوجة كأن تقول: لا أريد الطلاق، أو رددت التفويض.
قال في "زاد المستقنع": "فَإِنْ رَدَّتْ أَوْ وَطِئَ أَوْ طَلَّقَ أَوْ فَسَخَ بَطَلَ خِيَارُهَا".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: "إن قال: أمرك بيدك، أو اختاري نفسك، فقالت: لا أريد ذلك ، فما تملك الطلاق، كما لو قلت لشخص: خذ هذا الشيء بعه، فقال: لا، ما أنا ببائعه، ثم بعد ذلك أخذه وباعه فلا يجوز، فما دام رد انقطعت الوكالة.
وكذلك لو وطئها أو طلق أو فسخ كما سبق فإنه يبطل اختيارها" .
انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 87).
ومثال فسخ الزوج للتفويض : أن يقول: رجعت عن قولي : أمرك بيدك.
وقال ابن قدامة رحمه الله : "وإن وطئها الزوج كان رجوعا؛ لأنه نوع توكيل ، والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة ، وإن ردّت المرأة ما جعل إليها بطل ، كما تبطل الوكالة بفسخ الوكيل" .
انتهى من " المغني " (7/ 403).
ثالثا:
إذا فوض الرجل زوجته في الطلاق ، فليس لها أن تعلقه على شيء ، فإن علقته على شيء لم يصح.
قال في " المبدع " (6/ 300) : " ولا تملك تعليقا، فلو قال: طلقي نفسك، فقالت: أنا طالق إن قدم زيد - لم يصح ؛ لأن إذنه انصرف إلى المنجز، فلم تتناول المعلق على شرط" انتهى.
وقال في " شرح منتهى الإرادات "(3/ 78): " وإن قال: طلقي نفسك فقالت: أنا طالق إن قدم زيد لم تطلق بقدومه ؛ لأن إذنه انصرف إلى المنجز فلم يتناول المعلق" انتهى.
رابعا:
يثبت للزوجة الحق في التطليق إذا علمت بالتفويض ، وهل يختص ذلك بمجلس العلم ، أم يمتد بعده؟ في ذلك تفصيل وخلاف.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/ 112): " زمن تفويض الزوجة :
صيغة التفويض إما أن تكون مطلقة ، أو تكون مقيدة بزمن معين ، أو تكون بصيغة تعم جميع الأوقات.
(أ) فإن كانت صيغة التفويض مطلقة:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن حق الطلاق للمرأة مقيد بمجلس علمها وإن طال، ما لم تبدل مجلسها حقيقة كقيامها عنه، أو حكما بأن تعمل ما يقطعه مما يدل على الإعراض عنه، وكان الإمام مالك يقول بأن التخيير والتمليك المطلقين باقيان بيدها ما لم توقف عند الحاكم، أو تمكن زوجها من الاستمتاع منها عالمة طائعة، ثم رجع إلى ما ذهب إليه الجمهور، وهو ما أخذ به ابن القاسم، ورجحه الدردير والدسوقي.
وقال الشافعية: لو أخرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب ثم طلّقت لم يقع.
وأما الحنابلة فقد جعلوا لكل صيغة من صيغ التفويض حكما خاصا بها.
فلو قال لها " أمرك بيدك " فلا يتقيد ذلك بالمجلس، ولها حق تطليق نفسها على التراخي وذلك لأنه توكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد، وكذلك الحكم لو قال لها " طلقي نفسك " فهو على التراخي، لأنه فوضه إليها فأشبه " أمرك بيدك ".
ولو قال لها: اختاري نفسك " فهو مقيد بالمجلس، وبعدم الاشتغال بما يقطعه عرفا، وهذا مروي عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر، ولأنه خيار تمليك، فكان على الفور كخيار القبول. إلا أن يجعل لها أكثر من ذلك بأن يقول لها " اختاري نفسك يوما أو أسبوعا أو شهرا " ونحوه فتملكه.
(ب) وإن كانت صيغة التفويض تعم جميع الأوقات فيكون لها حق تطليق نفسها متى شاءت ولا يتقيد بالمجلس.
وقيده المالكية بعدم وقفها عند الحاكم لتطلّق، أو تسقط التمليك، أو يكون منها ما يدل على إسقاطه، كأن تمكنه من الاستمتاع بها، وذلك لأنهم يقولون بوجوب التفريق بين الزوجين في حالة التفويض حتى تجيب بما يقتضي ردا أو أخذا، وإلا لأدى إلى الاستمتاع في عصمة مشكوك في بقائها. وهذا في تفويض التمليك والتخيير دون التوكيل لقدرة الزوج على عزلها.
(ج) وإن كانت صيغة التفويض مقيدة بزمن معين، فإنه يستمر حق تطليق نفسها إلى أن ينتهي هذا الزمن، ولا يبطل التفويض المؤقت بانتهاء المجلس ولا بالإعراض عنه.
وعند المالكية يستمر ما لم توقف عند الحاكم أو يكن منها ما يدل على إسقاطه" انتهى.
والله أعلم.
تعليق