الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل التبرع بالدم ينقض الوضوء؟

السؤال

هل يحل للمسلم التبرع بدمه؟ وإذا حدث وتبرع بدمه هل يمكنه أداء الصلاة مباشرة بعد التبرع بالدم؟

ملخص الجواب

إذا وجدت ضرورة إلى نقل الدم فلا حرج فيه على المريض ولا على الأطباء ولا على الشخص المتبرع. والراجح أن خروج الدم ليس بناقض للوضوء وإن كان الوضوء منه مستحباً.

الحمد لله.

حكم التبرع بالدم

إذا وجدت الضرورة الداعية إلى نقل الدم فإنه لا حرج فيه على المريض ولا على الأطباء ولا على الشخص المتبرع وذلك لما يأتي:

  • لقوله تعالى: ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً فدلت الآية الكريمة على فضل التسبب في إحياء النفس المحرّمة ولا شك أن الأطباء والأشخاص المتبرعين بدمائهم يعتبرون متسببين في إحياء نفس ذلك المريض المهددة بالموت في حالة تركها دون نقل الدم  إليها.
  •  ولقوله تعالى: إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم فدلت الآية على نفي الإثم عمن اضطر إلى المحرم والمريض مضطر إلى إسعافه بالدم ولا حرج على الغير في تبرعه وبذله.
  •  أن قواعد الشريعة الإسلامية تقتضي جواز التبرع بالدم إذ من قواعدها أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرر يزال والمشقة تجلب التيسير والمريض مضطر، ومتضرر، وقد لحقته المشقة الموجبة لهلاكه فيجوز نقل الدم إليه.

هل سحب الدم ينقض الوضوء؟

وأما انتقاض الوضوء بخروج الدم فهذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله تعالى فمن ذهب إلى نقض الوضوء استدل بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه “أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ”. وقاس عليه الدم بجامع أنه نجس خارج من البدن.

والحديث قد رواه أحمد 4/449 وأبوداود 2981 والترمذي 87 وقال: وَقَدْ رَأَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ الْوُضُوءَ مِنْ الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ و قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ فِي الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وُضُوءٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. انتهى وهو رواية عن أحمد، قال البغوي: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين.

والراجح أن خروج الدم ليس بناقض للوضوء وإن كان الوضوء منه مستحباً ودليل ذلك ما يلي:

  • البراءة الأصلية، فالأصل بقاء الطهارة ما لم يثبت ضدها، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم  ما يدل على النقض ولذا قال الإمام النووي رحمه الله: لم يثبت قط أن النبي صلى الله عليه وسلم  أوجب الوضوء من ذلك.

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: الصحيح أن الدم والقيئ ونحوهما لا ينقض الوضوء قليلها وكثيرها لأنه لم يرد دليل على نقض الوضوء بها والأصل بقاء الطهارة.

  •  عدم صلاحية قياس الدم على غيره لأن علة الحكم ليست واحدة.
  • أن نقض الوضوء بخروج الدم خلاف ما ثبت عن السلف من آثار ومن ذلك: صلاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرحه يثعب دماً، وقال الحسن البصري رحمه الله: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم.
  • أن كون النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بعد القيئ لا يدل على الوجوب لأن القاعدة أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرّد غير المقترن بما يدل على الأمر لا يدل على الوجوب، وغايته الدلالة على مشروعية التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم  في ذلك، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: استحباب الوضوء من الحجامة والقيئ ونحوهما متوجه ظاهر.

فخلاصة ما تقدم: جواز التبرع بالدم، وأن المتبرع يستحب له أن يتوضأ بعد تبرعه بالدم وإذا لم يتوضأ فلا حرج عليه.

والله تعالى أعلم.

ينظر في مسألة التبرع:

  • المختارات الجلية للشيخ عبدالرحمن بن سعدي ص 327
  • أحكام الأطعمة في الشريعة للدكتور عبد الله الطريقي ص 411
  • مجلة المجمع الفقهي عدد 1 ص 32
  • نقل الدم وأحكامه للصافي ص 27
  • أحكام الجراحة الطبية للدكتور الشنقيطي ص 580

وفي مسألة نقض خروج الدم للوضوء:

  • مجموع الفتاوى 20/526
  • شرح عمدة الفقه لابن تيمية 1/295
  • المغني لابن قدامة 1/234
  • توضيح الأحكام للبسام 1/239
  • الشرح الممتع لابن عثيمين 1/221

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد