الحمد لله.
أولا:
يحرم نبش القبر إلا أن يوجد سبب شرعي يبيح ذلك، أو يتقين أن الميت صار رميما ولم يبق له أثر.
قال النووي رحمه الله: "وَأَمَّا نَبْشُ الْقَبْرِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَيَجُوزُ نَبْشُ الْقَبْرِ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ ، وَيَجُوزُ زَرْعُ تِلْكَ الْأَرْضِ وَبِنَاؤُهَا وَسَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ كَانَتْ عَارِيَّةً رَجَعَ فِيهَا الْمُعِيرُ.
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمَيِّتِ أَثَرٌ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله : وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَرْضِ وَيُعْتَمَدُ فِيهِ قَوْلُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا" انتهى من "المجموع" (5/273)
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/194): " وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ بَلِيَ وَصَارَ رَمِيمًا: جَازَ نَبْشُ قَبْرِهِ وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ ، وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ رَجَعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ ، فَإِنْ حَفَرَ فَوَجَدَ فِيهَا عِظَامًا دَفَنَهَا ، وَحَفَرَ فِي مَكَان آخَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ " انتهى .
ثانيا:
إذا كان بقاء جثة الميت في مكانها يؤدي إلى الإضرار بها، جاز نقلها إلى مكان مناسب.
و قد بوَّب البخاري رحمه الله في صحيحه: " باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لِعلّة ؟ " ، وروى حديثا عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ : مَا أُرَانِي إِلاَّ مَقْتُولاً فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنِّي لاَ أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ ، غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا ، فَاقْضِ ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا . فَأَصْبَحْنَا ، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً ، غَيْرَ أُذُنِهِ " رواه البخاري ( 1351 ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " لا ينبش الميت من قبره ، إلا لحاجة ؛ مثل أن يكون المدفن الأول فيه ما يؤذي الميت ، فينقل إلى غيره ، كما نقل بعض الصحابة في مثل ذلك " .انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 24 /303 ).
وقال الباجي رحمه الله: " ولا بأس بحفر القبر وإخراج الميت منه ، إذا كان ذلك لوجه مصلحة ، ولم يكن في ذلك إضرار به ، وليس من هذا الباب نبش القبور ، فإن ذلك لوجه الضرر ، أو لغير منفعة " انتهى من " المنتقى شرح الموطأ " (3/225).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :ما حكم الشرع في نظركم يا سماحة الشيخ في نقل عظام الميت من مكان إلى مكان آخر ، بغرض بناء القبر من الطوب اللبِن إلى الطوب الأحمر ؟
فأجاب رحمه الله :"لا يشرع هذا ، إذا دفن الميت على الوجهة الشرعية : فالحمد لله ، لا حاجة إلى نبشه ، ولا حاجة إلى تغيير اللبِن من نوع إلى نوع.
أما إذا كان دفن في محل غير مناسب : على الطريق ، أو محل تأتي فيه السيول ، أو ما أشبه : ينقل من المحل إلى المقبرة العامة ، إلى محل بعيد عن الخطر ، على العادة التي يدفن عليها الناس ، يوضع في لحده ويوضع عليه اللبن ، ثم يهال عليه التراب كغيره من الموتى .
أما أنه ينبش : من أجل تغيير اللبِن ، أو تغيير كذا : فهذا لا أصل له ، بل يترك على حال دفنه ، ما دام قد دفن على الطريقة الشرعية " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (14/179) .
وعلى هذا :
فإذا خشيت أن ينبشوا القبر ، ولا يراعوا حرمة الميت ، فانقله إلى بلدك إن تيسر لك ذلك ؛ لكن بشرط أن يكون في نقله ذلك صيانة له ، وحفظ لحرمته ، وأن عملية النقل هذه : مجربة قبل ذلك ، مأمونة .
ثانيا:
يجب أن يوجه الميت في القبر إلى القبلة؛ لما رواه عمير بن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البيت الحرام: قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا رواه أبو داود (2874) ، وحسنه الشيخ الألباني في "الإرواء" (3/154) .
قال البهوتي رحمه الله : "ويجب أن يُستقبل بالميت القبلة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الكعبة (قبلتكم أحياء وأمواتاً) ، ولأنه طريقة المسلمين بنقل الخلف عن السلف " انتهى من "دقائق أولي النهى" (1/372) .
فإن دُفن الميت إلى غير جهة القبلة وجب أن ينبش القبر ، ويوجه الميت إلى جهة القبلة ، إلا إذا كان قد مضى مدة على دفنه ، وتغير : فلا ينبش .
قال المرداوي رحمه : " فعلى المذهب : لو وضع غير مستقبل القبلة نبش على الصحيح من المذهب ، قال ابن عقيل : قال أصحابنا : ينبش إلا أن يخاف أن يتفسخ " انتهى من الإنصاف (2/ 547).
وقال في "مغني المحتاج" (2/35) : " فلو وُجّه لغيرها : نبش ، ووجه للقبلة ، وجوباً ؛ إن لم يتغير ، وإلا فلا ينبش" انتهى .
ثم إن الانحراف 30 درجة لا يعتبر انحرافا عن جهة القبلة، فإن الإنسان يظل مستقبلا الجهة إلى 45 درجة.
وعليه : فلا ينبش القبر لذلك.
والله أعلم.
تعليق