الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أحد؟

258248

تاريخ النشر : 24-04-2018

المشاهدات : 126298

السؤال

أريد أن أعرف سنّة النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الدعاء على الغير ، حيث أرى في السيرة أنه دعا على البعض أحياناً ، مثلاً : عندما أمر رجلاً بقوله: (كل بيمينك) فأجابه الرجل: لا أستطيع. فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا استطعت). ، ودعا على من وضع عليه سلى الجزور أثناء صلاته ، كما إنني أرى أنه في حادثة الطائف لم يدع على أهلها عندما عاملوه شرّ المعاملة وفي شأن هؤلاء اليهود الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: السام عليكم. فأجابهم بقوله: (وعليكم) ، أريد أن أعرف الطريقة الصحيحة في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

كان الغالب الأعم ، من هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو الدعاء للناس بالخير والهداية ، وتغليب العفو والصفح والمسامحة، رجاء أن يكتب الله عز وجل للمخطئ المغفرة، وللضال الهداية، وللمبتلى العفو والعافية؛ ولهذا لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم قط أنه دعا على مسلم في حياته، إلا أشياء يسيرة معدودة ، في مقامات خاصة .

فلم يكن صلى الله عليه وسلم لعانا ولا سبابا لأحد رغم المواقف الشديدة التي واجهها في حياته بسبب بعض المعاندين والمستكبرين .

روى مسلم في صحيحه (2599) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً .

والقليل الذي خرج عن ذلك الأصل العام ؛ إنما كان في حق الأعداء الذين أثخنوا في المسلمين الجراح، واستطالوا في ظلمهم وطغيانهم، واستبدوا على الضعفاء لردعهم عن توحيدهم وإيمانهم، ففي هذه الحالة استعمل النبي صلى الله عليه وسلم سلاح المؤمنين، الذي هو الدعاء، وتوجه إلى الله تعالى أن يكفي المسلمين المستضعفين شر هؤلاء الظالمين المعتدين، الذين أسرفوا في الطغيان.

فالمشهور من ذلك :

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لاَ أُغْنِي شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ - وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ -، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْعَى، فِي القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ) رواه البخاري (240) ومسلم (1794)
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فِي صَلَاةٍ شَهْرًا، إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ: اللهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدَ، اللهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الدُّعَاءَ بَعْدُ) رواه البخاري (1006) ومسلم (675)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمْ القُرَّاءُ، زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا، إِلَى قَوْمٍ مِنَ المُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ) رواه البخاري (1002) ومسلم (677)
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى المُشْرِكِينَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ) رواه البخاري (2933) ومسلم (1742)، ومثله دعاؤه عليه الصلاة والسلام: (اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ) رواه أحمد في " المسند " (24/ 247) وصححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد " (ص260) .

وهذه المواقف المحدودة – كما ترى – إنما كانت نصرة للمستضعفين من المؤمنين، والتجاء إلى الله تعالى أن يكف عنهم شر الأشرار وكيد الفجار من المشركين.

ثانيا :

ليس من شك في أن الأصل العام على هدى النبي صلى الله عليه وسلم : هو الرفق في الأمر كله ، الرفق في التعليم ، والدعوة ؛ بل : ( كَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا ) كما ثبت في وصفه، صلى الله عليه وسلم ـ رواه البخاري (6008) .

بل مدحه ربه جل وعلا بذلك ، فقال: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128]. وقال سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159] .

وإنما كان غضبه صلى الله عليه وسلم ، وانتقامه – إذا انتقم – إنما يكون لله .

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ . رواه البخاري (6786) ومسلم (2327) .

ثالثا :

وأما حديث عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قال: حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ (أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ) رواه مسلم (2021) .

فقد أجاب عنه أهل العلم ، بأمور :

الأول : أن هذا الآكل بشماله ، كان منافقا .

قال القاضي عياض رحمه الله: "وهذا يدل على أن الرجل كان منافقاً - والله أعلم - لقوله: (ما منعه إلا الكبر) أي: لن يتواضع بنفسه مخالفة هواها، وطاعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أمر به؛ ولهذا استحباب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عليه، ولو علم أن قوله: (لا أستطيع) صحيحاً لما دعا عليه" انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 487).

وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله: "(لا استطعت) دعاء منه عليه؛ لأنه لم يكن له في ترك الأكل باليمين عذر، وإنما قصد المخالفة، وكأنه كان منافقا - والله تعالى أعلم - ولذلك قال الراوي: (وما منعه إلا الكبر)" انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (5/297).

الثاني : أنه إنما دعا عليه لأجل مخالفته الحكم الشرعي ، ورد الحق الذي أدبه به النبي صلى الله عليه وسلم ، من غير عذر له في ذلك .

قال النووي رحمه الله : " وأما قول القاضي عياض رضي الله عنه : إن قوله : ( ما منعه إلا الكبر ) : يدل على أنه كان منافقا ؛ فليس بصحيح ؛ فإن مجرد الكبر والمخالفة : لا يقتضي النفاق والكفر . لكنه معصية ، إن كان الأمر أمر إيجاب .

وفي هذا الحديث : جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر . " انتهى، من

شرح النووي على مسلم (13/ 192) .

وقال ابن علان رحمه الله : " وقوله (ما منعه إلا الكبر) : جملة مستأنفة لبيان الذي اقتضى دعاءه عند ذلك ، مع كمال رحمته ومزيد عفوه وصفحه ؛ أي أنه لما علم أن المانع له عن الانقياد : كبره عن الحق ، ودفعه له : دعا عليه .

ففيه : الدعاء على من قصد الخروج عن الشريعة عمداً" . انتهى، من "دليل الفالحين" (5/69).

وقال الملا علي القاري رحمه الله : " قَالَ (لَا اسْتَطَعْتَ) . دُعَاءٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَذَبَ فِي اعْتِذَارِهِ (مَا مَنَعَهُ) ، أَيْ: مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ. وَقَالَ شَارِحٌ، أَيْ: مِنَ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ (إِلَّا الْكِبْرُ) ، أَيْ لَا الْعَجْزُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ قَوْلُ الرَّاوِي وَرَدَ اسْتِئْنَافًا لِبَيَانِ مُوجَبِ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: لِمَ دَعَا عَلَيْهِ بِلَا اسْتَطَعْتَ وَهُوَ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ؟ فَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَا مَنَعَهُ مِنَ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ الْعَجْزُ، بَلْ مَنَعَهُ الْكِبْرُ." انتهى، من "مرقاة المفاتيح" (9/3804) .

ولأجل ما أكرم الله به نبيه ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وما حباه به من كمال الخلق ، وبلوغ الغاية من ذلك ، وطهارة الثوب ، ونقاء الجيب ؛ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه : أن يجعل ما بدر منه بحكم الجبلة البشرية ، وما يعتريها من الغضب ؛ دعا أن يجعل الله ذلك كفارة لمن نزلت به دعوته ، ولم يكن أهلا لها :

روى مسلم في صحيحه (2600) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا، وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ، قَالَ: وَمَا ذَاكِ قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا، قَالَ: " أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا " .

وروى مسلم أيضا (2603) : عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، فَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَتِيمَةَ، فَقَالَ: آنْتِ هِيَهْ؟ لَقَدْ كَبِرْتِ، لَا كَبِرَ سِنُّكِ فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا لَكِ؟ يَا بُنَيَّةُ قَالَتِ الْجَارِيَةُ: دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي، فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا، أَوْ قَالَتْ قَرْنِي فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا، حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي قَالَ: وَمَا ذَاكِ؟ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا، وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا، قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ثُمَّ قَالَ: " يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي، أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي ، فَقُلْتُ:

إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ، مِنْ أُمَّتِي، بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .

وروى البخاري (6361) ومسلم (2601) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَةِ

وهذا ما ننصحك أن تقتدي به من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أن تستعمل العفو والصفح، وتترك نكد الدنيا وكدرها لسعة ثواب الله سبحانه وفضله. قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: 34، 35] .

والطريقة الصحيحة في الاقتداء : أن تقتفي أثره ، صلى الله عليه وسلم في حسن خلقه ، ورفقه ، ولينه ، وعفوه ، وصفحه ، وطهارة قلبه ولسانه ... ، وترك اللعن كله ، فغايته أن يكون رخصة ، إن أصبت موضعها ، ولم يرشدك النبي صلى الله عليه وسلم إلى لعن أحد ، ولم يأمرك ، وإن كان ذلك الشخص مستحقا للعن في نفس الأمر ، فتركته ، فلا تثريب عليك ، ولا نقص ؛ بل قد رأيت كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعن المشركين ...

ثم ما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم بحكم الجبلة البشرية ، والغضب الذي يعتري الناس : فقد شارط النبي صلى الله عليه وسلم ربه : أن يجعل ذلك كفارة ، لمن أصابته دعوة ، ولم يكن لها أهلا .

وأنت : بماذا شارطت ربك ؟ ولأي شيء تغرر بدينك ، وتجعل حسناتك نبها ، لمن يأخذها من الناس ، كفاء ما سببتهم ، أو لعنتهم ؟!

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ . رواه مسلم (2581) .

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:

إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ، وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . رواه مسلم (2598) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب