الحمد لله.
لا يقوم الركوع مقام السجود في سجدة التلاوة عند جمهور أهل العلم .
وحجتهم : أنه عبادة مشروعة بوصف معين ، فلا يجوز تغيير صفتها ، كسجود الصلاة ، ولأن الركوع أقل خضوعا من السجود فلا يقوم مقامه .
وذهب أبو حنيفة إلى جواز الركوع بدل السجود .
قال النووي رحمه الله تعالى :
" لا يقوم الركوع مقام السجود في حال الاختيار عندنا ، وبه قال جمهور السلف والخلف .
وقال أبو حنيفة : يقوم مقامه .
ودليل الجمهور القياس على سجود الصلاة .
واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى : ( وَخَرَّ رَاكِعًا ) سورة ص (24) ، ولأن المقصود الخضوع .
وأجاب الجمهور ... وأما قولهم المقصود الخضوع ، فجوابه : أن الركوع ليس فيه من الخضوع ما في السجود ، فأما العاجز عن السجود فيومئ به كما في سجود الصلاة " انتهى من " المجموع " (4 / 72) .
والراجح أن سجود التلاوة شرع على هيئة معينة ، فلا يجوز تغييرها .
أما آية ركوع داود عليه السلام في سورة ص ، فليست صريحة في عدم سجوده ، بل بيّنت
السنة أن الركوع في الآية المراد به السجود .
فعَنِ العَوَّامِ ، قَالَ : ( سَأَلْتُ مُجَاهِدًا ، عَنْ سَجْدَةٍ فِي ( ص ) ،
فَقَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاس ٍ: مِنْ أَيْنَ سَجَدْتَ ؟ فَقَالَ : أَوَمَا
تَقْرَأُ : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى
اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) . فَكَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيُّكُمْ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ ، فَسَجَدَهَا دَاوُدُ
عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
) رواه البخاري (4807) .
وروى النسائي (957) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي ( ص ) وَقَالَ : سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا
شُكْرًا ) وصححه الألباني في " صحيح سنن النسائي " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وأما قوله عن داود عليه السلام : ( وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ) لا ريب أنه سجد
. كما ثبت بالسنة ، وإجماع المسلمين أنه سجد لله ، والله سبحانه مدحه بكونه خر
راكعا ، وهذا أول السجود ... " انتهى من " مجموع الفتاوى " (23 / 145) .
أمّا ما روي عن ابن مسعود فلا يصلح دليلا لهذه المسألة ، وإنما وجهه ؛ أن عادة
السلف الصالح في القراءة في الصلاة : أنهم يقرؤون سورة كاملة في الركعة الواحدة ،
فإذا كانت السورة في آخرها سجدة كسورة الأعراف ، وسورة النجم ، وسورة العلق ، فيرى
ابن مسعود رضي الله عنه أن ركوع وسجود الصلاة كافٍ عن سجود التلاوة .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: ( إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ خَاتِمَةَ
السُّورَةِ : فَإِنْ شِئَتَ رَكَعْت َ، وَإِنْ شِئَتَ سَجَدْتَ ) رواه عبد الرزاق
في " المصنف " (3 / 347) ، والبيهقي في " السنن الكبرى " (4 / 488) .
وهذا من باب تداخل العبادات التي من جنس واحد ، كما توضحها الرواية الأخرى : (
إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ آخِرَ السُّورَةِ : فَارْكَعْ إِنْ شِئْتَ ، أَوِ اسْجُدْ
؛ فَإِنَّ السَّجْدَةَ مَعَ الرَّكْعَةِ ) رواه عبد الرزاق في " المصنف " (3 / 347)
، قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 286) : رجاله ثقات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" إذا كانت السجدة في آخر السورة : أجزأ ما في الصلاة من السجود والركوع عن سجود
التلاوة ، كما يُروى ذلك عن ابن مسعود ، وهذا هو المنصوص عن أحمد ، وهو قولُ من قال
من فقهاء العراق وغيرهم .
لكن : هل المجزئ عن سجود التلاوة هو الركوع ، أو سجود الصلاة أو كلاهما ؟ فيه نزاع
ليس هذا موضعه " انتهى من " جامع المسائل " (6 / 296) .
والله أعلم .
تعليق