الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

التائب من القذف لا يجب عليه أن يخبر المقذوف بقوله فيه ؟

258708

تاريخ النشر : 12-03-2017

المشاهدات : 43178

السؤال

مجموعة من الشباب المراهق بينهم شاب يعرف اللغة الشيشانية ، تعلموا منه ( كعادة مراهقي بلادنا) بعض الشتائم والسباب ، وفهموا معانيها تقريبا ، ثم قام أحدهم وخاطب زميله بإحدى تلك الشتائم الفاحشة ناسبا إياها ﻷمه ( يعني قال أمك كذا ) ، مع أن القائل لا يعرف منه الفحش أبدا ، ولكنه استهون الكلمة ولم يستشعر حقيقة معناها لكونها بغير لغته ، والسؤال : ماذا عليه ليتوب من فعلته وقد مر عليها سنين ؟ وهل يستوجب حد القذف بما قال ؟ وإذا كان المُساء إليه لم يكترث أبداً بالمسألة فهل يعتبر هذا مسقطا لحقه ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا كان القاذف بالغا عاقلا حين القذف ، وكان ما قاله باللغة الأجنبية يعني الرمي بالوقوع في فاحشة الزنا أو اللواط ، فهذا قذف محرم ، وكبيرة من كبائر الذنوب ، ولا تأثير لكونه وقع بغير اللغة العربية ، بشرط أن يكون القاذف عالما بمعنى ما قال .

جاء في "فتاوى قاضيخان" (3/294) [حنفي] : "رجل قذف رجلا بغير العربية: كان عليه الحد" انتهى.

وفي "شرح المنهج" ، للشيخ زكريا الأنصاري [شافعي]:

" (وصح) اللِّعان (بغير عربية) وإن عرفها؛ لأن اللعان يمين، أو شهادة؛ وهما في اللغات سواء...

(و) صح (من) شخص (أخرس، بإشارة مفهمة،  أو كتابة) ؛ كسائر تصرفاته ... (كقذف) فيصح بغير عربية، ومن أخرس، بإشارة مفهمة، أو كتابة لما ذكر.. " انتهى .

ثانيا :

من قذف أم رجل بالزنا ، فإن الحد حق لها (أي للأم)؛ لا يقام إلا بطلبها .

إلا إذا كانت الأم متوفاة؛ فالحق في ذلك لابنها ، فيقام الحد على القاذف إن طالب ابنها بذلك  .

جاء في "الجوهرة النيرة على القدوري" (2/159) : "(وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ، فَقَالَ: لَسْت لِأَبِيك، أَوْ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ ؛ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ ، فَطَالَبَهُ الِابْنُ بِحَدِّهَا: حُدَّ الْقَاذِفُ) .

هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً .

فَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً مُحْصَنَةً : كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا .

وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً: لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهَا ، لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ" انتهى .

وفي "تهذيب المدونة" (4/494) : " وإن قال له [أبوه] : يا ابن الزانية، فله القيام بحد أمه، إن ماتت .

وإن كانت حية: فلا قيام له بذلك؛ إلا أن توكله" انتهى .

وفي "المغني" لابن قدامة (9/96):

" إذَا قُذِفَتْ وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ، فَلَيْسَ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَلَا يُطَالِبُ بِهِ غَيْرُهَا، وَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا ..... لِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لِلتَّشَفِّي، فَلَا يَقُومُ فِيهِ غَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ مَقَامَهُ، كَالْقِصَاصِ" . انتهى.

وفي "الكافي" ، لابن قدامة ـ أيضا ـ (4/226) : " وإذا قال الرجل يا ولد الزنى ، أو يا ابن الزانية: فهو قاذف لأمه .

فإن كانت حية : فهو قاذف لها دونه ، لأن الحق لها .

ويعتبر فيها شروط الإحصان، لأنها المقذوفة .

وإن كانت أمه ميتة : فالقذف له؛ لأنه قَدْحٌ في نسبه " انتهى .

وقال ابن تيمية رحمه الله :

" فإذا رمى الحر محصنا بالزنا واللواط : فعليه حد القذف ، وهو ثمانون جلدة .

وإن رماه بغير ذلك : عوقب تعزيرا.

وهذا الحد يستحقه المقذوف: فلا يُستوفى ، إلا بطلبه؛ باتفاق الفقهاء" انتهى من " مجموع الفتاوى " (28/382) .

ثالثا :

التوبة من القذف، كالتوبة من الغيبة لا يشترط على التائب إعلام المغتاب ؛ لأنه سيدخل عليه بذلك الغم ، ويثير به الضغائن، وعليه أن يستغفر الله ويدعو للمقذوف .

قال في "كشاف القناع" (6/115) :

(وَلَا يَشْتَرِطُ لِصِحَّتِهَا) أَيْ التَّوْبَةِ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: الْقَذْفِ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهِمَا (إعْلَامُهُ) أَيْ الْمَقْذُوفِ أَوْ الْمُغْتَابِ وَنَحْوِهِ. نَقَلَ مُهَنَّا : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ .

(وَلِأَنَّ فِي إعْلَامِهِ: دُخُولُ غَمٍّ عَلَيْهِ، وَزِيَادَةُ إيذَاءٍ.

وَقَالَ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يُحَرَّمُ) عَلَى الْقَاذِفِ وَنَحْوِهِ: (إعْلَامَهُ)، أَيْ الْمَقْذُوفِ، أَوْ الْمُغْتَابِ وَنَحْوِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ " انتهى .

وقال في "دقائق أولي النهى لشرح المنتهى " (3/591) :

" (وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا) أَيْ التَّوْبَةِ (مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَنَمِيمَةٍ وَشَتْمٍ (إعْلَامُهُ) أَيْ الْمَقْذُوفِ وَالْمُغْتَابِ وَنَحْوِهِمَا (وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ) قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَذَفَهُ ثُمَّ تَابَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: قَدْ قَذَفْتُكَ، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ; لِأَنَّ فِيهِ إيذَاءً صَرِيحًا، وَإِذَا اسْتَحَلَّهُ يَأْتِي بِلَفْظٍ مُبْهَمٍ لِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ " انتهى .

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية هذا القول وعزاه لأكثر العلماء .

قال ابن القيم رحمه الله :

" الصحيح: أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار له، وذكره بمحاسن ما فيه، في المواطن التي اغتابه فيها .

وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره " . انتهى من " المستدرك على الفتاوى " (3/210) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب