الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

إذا كان رد السلام يؤذي حنجرتها فهل ترد بالإشارة وهل يجب رد السلام المكتوب

258741

تاريخ النشر : 28-01-2017

المشاهدات : 20617

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ. هل يجزئ الردُّ على السلام بالطباعة على لوحة المفاتيح على جهاز أو بالكتابة على ورقة أو بتحريك الشفتين إذا خاف المرء من سوء حالة حلقه الصحيَّة إذا ما رفع صوته بالردّ؟ أنا أسأل فقط عن الحالات الطارئة فقط حيث أنني أُعاني من التهاب في حنجرتي مما يجعل الكلام صعباً، وتسوء حالتي عندما أتكلم (أستخدم صوتي)، حتى أنني أُواجه الصعوبة في الصلاة وفي تلاوة القرآن. أرجو إرشادي عما إذا كان عليَّ الردّ بصوتي أو إذا كان ما ذكرته من أحوال في الرد على السلام مجزئ؟ أيضاً هناك وليمة قادمة دُعيت إليها وفي الأغلب أنهم سيسلمون عليَّ وإذا ما رددت التحية عليهم فرداً فرداً فسوف يتأذى حلقي كثيراً. أيضاً أرشدوني بالنسبة لتشميت العاطس وما شابه ذلك من أدعية وأحوال مماثلة لها. جزاك الله خيراً يا شيخ.

الجواب

الحمد لله.

الاجابة :

أولا:

رَدّ السلام واجب ، إذا كان السلام على واحد .

فإن كان على جماعة فالرد فرض كفاية، إذا قام به أحدهم سقط عن الباقين.

وأما ابتداء السلام فسنة مؤكدة.

قال النووي رحمه الله في المجموع (4/ 593): "  إبداء السلام سنة مؤكدة . قال أصحابنا : هو سنة على الكفاية ؛ فإذا مرت جماعة بواحد ، أو بجماعة ، فسلم أحدهم : حصل أصل السنة.

وأما جواب السلام : فهو فرض ، بالإجماع .

فإن كان السلام على واحد : فالجواب فرض عين في حقه .

وإن كان على جمع : فهو فرض كفاية، فإذا أجاب واحد منهم : أجزأ عنهم وسقط الحرج عن جميعهم .

وإن أجابوا كلهم : كانوا كلهم مؤدين للفرض، سواء ردوا معا ، أو متعاقبين .

فلو لم يجبه أحد منهم : أثموا كلهم .

ولو رد غير الذين سُلِّم عليهم : لم يسقط الفرض والحرج عن الباقين" انتهى.

ثانيا:

من جاءه رسالة مكتوب فيها السلام، وجب أن يرد على الفور باللفظ ، أو بالكتابة.

سئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله: " هل يلزم رد جواب الكتاب ؟

ولو بلغ السلام في كتاب ، هل يلزم التلفظ برده على الكاتب والرسول ؟

وما فائدة التلفظ مع غيبة الكاتب والرسول ؟ ابسطوا الجواب .

(فأجاب) نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين بقوله: يسن السلام على الغائب ، إما برسوله ، وإما بكتابه، ويلزم الرسول إذا رضي بتحمله بالإبلاغ.

وأما المرسل إليه فلزمه الرد فورا، ثم إن كان السلام عليه بالإرسال لزمه الرد باللفظ، وإن كان بالكتابة لزمه الرد بها، أو باللفظ.

ويندب الرد على الرسول أيضا وتقديمه فيقول: وعليك وعليه السلام ...

وفائدة وجوب الرد باللفظ ، مع غيبة المسلّم : أن في وجوب الرد حقين حقا لله سبحانه وتعالى، وحقا للآدمي، فلو فرض سقوط حق الآدمي لغيبته، لم يسقط حق الله سبحانه وتعالى؛ إذ لا مقتضى لإسقاطه.

وأيضا إذا وقع الرد في حضرة الرسول باللفظ : بلغه لمرسله، فهذه فائدة ظاهرة.

وأما وجوب الرد بالكتابة : فحكمته ظاهرة؛ لأن الكتاب إذا وصل للمسلّم ، كان بمنزلة الرد عليه حينئذ . والله سبحانه وتعالى أعلم" انتهى من الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 246).

وعليه : فما جاءك من سلام مكتوب عبر البريد أو رسائل الهاتف، أو عبر وسائل التواصل على الإنترنت، يكفيك رده كتابة، ولك رده باللفظ، ويجب أن يكون الرد بهذا أو هذا : على الفور.

ثالثا:

إذا سلم عليك إنسان باللفظ، وكنت في جماعة، فإن رد أحدهم : فقد حصل المطلوب.

وإن لم يرد أحدهم، أو سلم عليك وحدك : وجب عليك الرد فورا .

ويشترط رفع الصوت بحيث يسمعه المسلّم.

قال النووي رحمه الله في الموضع السابق: "  قال أصحابنا يشترط في ابتداء السلام وجوابه : رفع الصوت ، بحيث يحصل الإسماع .

وينبغي أن يرفع صوته ، رفعا يسمعه المسلم عليهم ، والمردود عليهم ، سماعا محققا . ولا يزيد في رفعه على ذلك .

فإن شك في سماعهم : زاد ، واستظهر .

وإن سلم على أيقاظ عندهم نيام : حفض صوته ، بحيث يسمعه الأيقاظ ، ولا يستيقظ النيام . ثبت ذلك في صحيح مسلم ، عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من رواية المقداد رضي الله عنه" انتهى.

وقال في الدر المختار: " وشرط في الرد وجواب العطاس: إسماعه، فلو أصمَّ، يريه تحريك شفتيه" انتهى.

وقال ابن عابدين رحمه الله في حاشيته عليه: " (قوله فلو أصم يريه تحريك شفتيه) : قال في شرح الشرعة: واعلم أنهم قالوا: إن السلام سنة ، واستماعه مستحب، وجوابه ، أي رده : فرض كفاية، وإسماع رده : واجب بحيث لو لم يسمعه ، لا يسقط هذا الفرض عن السامع .

حتى قيل: لو كان المسلم أصم : يجب على الراد أن يحرك شفتيه ، ويريه ؛ بحيث لو لم يكن أصم لسمعه اهـ" انتهى من حاشية ابن عابدين (6/ 413).

رابعا :

إذا تعيّن الرد عليك، وكان الكلام يؤذي حنجرتك : فلا حرج عليك في الرد بالإشارة  ، مع تحريك الشفتين ، بحيث يفهم المسلّم ان هذا رد على سلامه .

ولو كان هذا مع صوت خفيض ، لا تتضررين به : كان أولى.

والأصل في ذلك : أن الرد بالإشارة ثابت حيث تعذر الرد بالقول ؛ كما لو كان الإنسان في الصلاة، أو كان المسلّم بعيدا لا يسمع الصوت.

قال في الفواكه الدواني (2/ 324): " . (و) صفة الرد أن (يقول الراد: وعليكم السلام) بتقديم الخبر[يعني : بتقديم "عليكم"] ، وبالواو ، مسمِعاً لمن يسلّم عليه عند الإمكان .

وتكفي الإشارة إلى الأصم . ولا يرد عليه باللفظ إلا إن كان يفهم منه ، كالإشارة .

ومثل الرد عليه : لو كان المسلَّم عليه مصليا .

وما يصدر من بعض أهل الكبر من ردهم بالإشارة بنحو الرأس ، مع قدرتهم على النطق : فلا يكفي.

كما أن الظاهر ، أو المتعين : أنه لا يكفي في الابتداء بالسلام : الإشارة ؛ إلا إذا كان المسلَّم عليه بعيدا عن المسلِّم ، بحيث لا يسمع صوته، فيجوز أن يشير إليه بالسلام بيده ، أو رأسه ، ليُعْلِمه أنه يسلم عليه" انتهى.

وفي الموسوعة الفقهية (25/ 1599: " يكره السلام ، أو رده بالإشارة بالرد ؛ باليد ، أو بالرأس ، بغير نطق بالسلام ، مع القدرة ، وقرب المسلم عليه .

لأن ذلك من عمل أهل الكتاب : اليهود والنصارى لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع ، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف ".

فإن كانت الإشارة مقرونة بالنطق ، بحيث وقع التسليم ، أو الرد ، باللسان مع الإشارة ، أو كان المسلم عليه بعيدا عن المسلم ، بحيث لا يسمع صوته ، فيشير إليه بالسلام بيده أو رأسه ، ليعلمه أنه يسلم : فلا كراهة" انتهى.

وحديث (ليس منا من تشبه بغيرنا...) رواه الترمذي (2695) وضعّفه، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.

ويدل على جواز رد المصلي السلام إشارة: ما روى أبو داود (925) عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ إِشَارَةً، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ إِشَارَةً بِأُصْبُعِهِ .

وروى أبو داود (927) عن عَبْد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءَ يُصَلِّي فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَتْهُ الْأَنْصَارُ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي، قَالَ: " فَقُلْتُ لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ ، حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي؟ "، قَالَ: يَقُولُ هَكَذَا، وَبَسَطَ كَفَّهُ، وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ، وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ، وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى فَوْقٍ.

والحديثان صححهما الألباني في صحيح أبي داود.

قال الشوكاني رحمه الله: " (فائدة) ورد في كيفية الإشارة لرد السلام في الصلاة حديث ابن عمر عن صهيب قال: لا أعلمه إلا أنه قال: " أشار بأصبعه " ، وحديث بلال: "كان يشير بيده" .

ولا اختلاف بينهما، فيجوز أن يكون أشار مرة بأصبعه ، ومرة بجميع يده .

ويحتمل أن يكون المراد باليد الأصبع ، حملا للمطلق على المقيد.

وفي حديث ابن عمر عند أبي داود " أنه «سأل بلالا كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟

فقال: يقول: هكذا، وبسط جعفر بن عون كفه ، وجعل بطنه أسفل ، وجعل ظهره إلى فوق» .

ففيه الإشارة بجميع الكف.

وفي حديث ابن مسعود عند البيهقي بلفظ " فأومأ برأسه " ، وفي رواية " فقال: برأسه ". يعني: الرد.

ويجمع بين الرويات أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا مرة ، وهذا مرة . فيكون جميع ذلك جائزا" انتهى من نيل الأوطار (2/ 384).

خامسا:

وأما تشميت العاطس، فمختلف في حكمه، والأظهر أنه واجب على كل من سمع حمد العاطس، كما بيناه في جواب السؤال رقم 178639

فإن أمكنك فعل ذلك بصوت يسمعه العاطس ولا يؤذيك : فهو المشروع في حقك .

وإن تعذر ذلك عليك إلا بضرر : سقط الوجوب عنك؛ إذ الواجبات تسقط بالعذر، قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16. وقال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286.

والله أعلم.

آداب السلام


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب