الحمد لله.
إن محبة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم ونصرتها له أمر معلوم مشهور ، وكان كثيرا ما يثني النبي صلى الله عليه وسلم عليها حتى أن عائشة رضي الله عنها كانت تغار من ذلك .
وقد روى الإمام البخاري في "صحيحه" (3817) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا ). انتهى .
أما الكلام الوارد في السؤال والمنسوب إلى خديجة رضي الله عنها فليس له ذكر على الإطلاق في كتب السنة ، ولم يرو لا بإسناد صحيح ولا ضعيف .
بل لم نجد أحدا من أهل العلم ذكره أصلا . إلا أنه قد أورده بعض الشيعة في كتبهم منسوبا لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، حيث أورده البكري في كتابه "الأنوار في مولد النبي صلى الله عليه وسلم" (ص189) بلا إسناد ، ونقله عنه المجلسي في "بحار الأنوار" (16/52) ، وذلك في أثناء ذكره لرحلة النبي صلى الله عليه وسلم للتجارة في مال خديجة رضي الله عنها إلى الشام ، وكيف أنه بعد عودته صلى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة كيف أنه ربح مالا عظيما ، ففرحت وأمرت أن ينصب له كرسي من العاج والآبنوس، وأجلسته عليه ، وقالت:" يا سيدي كيف كان سفركم ؟ فأخذ يحدثها بما باعه وما شراه ، فرأت خديجة ربحا عظيما ، وقالت: يا سيدي لقد فرحتني بطلعتك ، وأسعدتني برؤيتك ، فلا لقيت بؤسا ، ولا رأيت نحوسا ، ثم جعلت تقول شعرا:
فلو أنني أمسيت في كل نعمة * ودامت لي الدنيا وملك الاكاسرة
فما سويت عندي جناح بعوضة * إذا لم يكن عيني لعينك ناظرة ". انتهى
والبكري هذه هو أحمد بن عبد الله بن محمد البكري قد ترجم له الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/112) فقال :" ذاك الكذاب الدجال واضع القصص التي لم تكن قط فما أجهله وأقل حياءه ، وما روى حرفا من العلم بسند ، ويقرأ له في سوق الكتبيين كتاب ضياء الأنوار ورأس الغول ". انتهى
إلا أن الجملة الأخيرة فيه ( كلا ؛ والله لا يخزيك الله أبدا ) : قد وردت في "صحيح البخاري" (4953) و"صحيح مسلم" (160) من حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ:" كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ ، فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - قَالَ: وَالتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ المَلَكُ ، فَقَالَ: اقْرَأْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ: اقْرَأْ ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ [العلق: 2]- الآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ - عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 5] " فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ ، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي ، فَزَمَّلُوهُ ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ .
قَالَ لِخَدِيجَةَ: أَيْ خَدِيجَةُ ، مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ، فَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ ، قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا ، أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ ..". انتهى
والله أعلم .
تعليق