السبت 20 جمادى الآخرة 1446 - 21 ديسمبر 2024
العربية

الأدلة المختلف فيها وأثرها في الخلاف الفقهي

259348

تاريخ النشر : 26-08-2017

المشاهدات : 52732

السؤال

ما هي الأدلة الشرعية المختلف فيها بين الأصوليين، وما أثرها في الخلاف الفقهي ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الأدلة المختلف فيها كثيرة منها:

الاستصحاب، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والاستحسان، والمصالح المرسلة.

وينظر في الكلام على هذه الأدلة كتب الأصول، ومنها: مذكرة أصول الفقه، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، ص249- 266، معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، د. محمد حسين الجيزاني، ص207- 242، وتجدهما على المكتبة الشاملة.

ولا يتسع مقام الفتوى للتعريف بهذه الأدلة، ولا ذكر الخلاف فيها.

ثانيا:

نتج عن اختلاف الفقهاء في حجية هذه الأدلة : اختلافهم في كثير من الفروع الفقهية التي كان دليلها واحدًا من هذه الأدلة المختلف فيها.

وننصحك بالرجوع إلى "بداية المجتهد" لابن رشد، فإنه يعنى بذكر أسباب اختلاف الفقهاء في أكثر ما يورده من مسائل.

 ونسوق هنا بعض الأمثلة:

1-الاستصحاب:

ومن أمثلة الخلاف  المبني على حجيته:

ميراث المفقود، وهل يعتبر المفقود ميتا فيورث، أم يعتبر حيا فلا يورث؟

"ذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى أنه يعتبر حيا، فلا يورث، ويرث من غيره. والأصل في ذلك أن الأصل حياته، فيستصحب الأصل حتى يظهر خلافه...

وذهبت الحنفية إلى أنه لا يورث ولا يرث، وحجتهم في عدم إرثه من غيره ما ذكره صاحب الهداية: " ولا يرث المفقودُ أحداً مات في حال فقده؛ لأن بقاءه حيا في ذلك الوقت باستصحاب الأصل، وهو لا يصلح حجة في الاستحقاق"" انتهى من "أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء" للدكتور مصطفى سعيد الخِنّ، ص548

 2-قول الصحابي:

ومن أمثلة الخلاف المبني على حجية قول الصحابي: اختلاف الفقهاء في حكم سجود التلاوة، فذهب الحنفية إلى وجوبه اعتمادا على الأمر بالسجود، وذم من تركه.

وذهب الجمهور إلى أنه سنة، احتجاجا بما روى مالك في الموطأ (16) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سَجْدَةً، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَنَزَلَ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى. فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكُمْ. إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا، إِلَّا أَنْ نَشَاءَ. فَلَمْ يَسْجُدْ، وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا.

قال ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 233): " فأما حكم سجود التلاوة: فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: هو واجب، وقال مالك والشافعي: هو مسنون وليس بواجب.

وسبب الخلاف: اختلافهم في مفهوم الأوامر بالسجود، والأخبار التي معناها معنى الأوامر بالسجود، مثل قوله تعالى: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) [مريم: 58] هل هي محمولة على الوجوب، أو على الندب ؟ فأبو حنيفة حملها على ظاهرها من الوجوب، ومالك والشافعي اتبعا في مفهومهما الصحابة، إذ كانوا هم أقعد بفهمهم الأوامر الشرعية، وذلك أنه لما ثبت: أن عمر بن الخطاب قرأ السجدة يوم الجمعة، فنزل وسجد، وسجد الناس معه فلما كان يوم الجمعة الثانية وقرأها، تهيأ الناس للسجود فقال: على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء، قالوا: وهذا بمحضر الصحابة، فلم ينقل عن أحد منهم خلاف، وهم أفهم بمغزى الشرع، وهذا إنما يحتج به من يرى قول الصحابي - إذا لم يكن له مخالف – حجة" انتهى.

3-شرع من قبلنا:

ومن أمثلة الخلاف المبني عليه: مشروعية النكاح بلفظ الإجارة.

قال ابن رشد: " أما (النكاح) على (الإجارة) ففي المذهب فيه ثلاثة أقوال: قول بالإجازة، وقول بالمنع، وقول بالكراهة. والمشهور عن مالك الكراهة. ولذلك رأى فسخه قبل الدخول، وأجازه من أصحابه أصبغ، وسحنون. وهو قول الشافعي، ومنعه ابن القاسم وأبو حنيفة ، إلا في العبد ؛ فإن أبا حنيفة أجازه.

وسبب اختلافهم سببان:

أحدهما: هل شرع من قبلنا لازم لنا حتى يدل الدليل على ارتفاعه؟ أم الأمر بالعكس؟

فمن قال: هو لازم - أجازه؛ لقوله تعالى: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) [القصص: 27] الآية. ومن قال: ليس بلازم - قال: لا يجوز النكاح بالإجارة" انتهى من بداية المجتهد (3/ 47).

وذكر الإسنوي أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا عند الشافعية، خلافا للحنفية، وفرّع على ذلك مسائل.

قال رحمه الله: " ويتفرع عن هذا الأصل مسائل:

منها إذا نذر ذبح ولده: لم ينعقد نذره عندنا، إذ لا أصل له في شرعنا، وينعقد عندهم، تمسكا بقضية الخليل عليه السلام.

ومنها : أن الأضحية غير واجبة عندنا، لانتفاء مدارك الوجوب فيها، وعندهم تجب لقوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت) والأمر في شرعه: أمر في شرعنا" انتهى من "التمهيد في تخريج الفروع على الأصول" ص370

4-المصالح المرسلة:

ومن الأمثلة المترتبة على الخلاف في حجيتها:

قتل الجماعة بالواحد، وحبس مدعي الفلس إذا لم يُعلم صدقه.

وينظر: "أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء" للدكتور مصطفى سعيد الخِنّ، ص560

ومن الكتب المفيدة في معرفة ذلك والوقوف على أثره : كتب "تخريج الفروع على الأصول" ، مثل كتاب "الزنجاني" الشافعي ، بهذا الاسم نفسه ، وكتاب " التمهيد في تخريج الفروع على الأصول" للإسنوي الشافعي ، وكتاب " مفتاح الوصول في تخريج الفروع على الأصول" ، للتلمساني المالكي .

ومن الدراسات المعاصرة المتخصصة في هذه المسألة كتاب " أثر الأدلة المختلف فيها ، في الفقه الإسلامي" ، للدكتور مصطفى ديب البغا . وتجده على هذا الرابط :

http://saaid.net/book/open.php?cat=103&book=9143

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب