الحمد لله.
أولًا:
فإن مما لا شك فيه أن التعلق بالقرآن خير كله، تعلمه وتعليمه، فعن عثمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )، رواه البخاري: (5027) .
وقد روى هذا الحديث الإمام الجليل أبو عبدالرحمن السلمي، وقد ظل يقرأ الناس قرابة أربعين سنة، وقال بعد أن روى هذا الحديث، " وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا " .
" قال أبو إسحاق: كان أبو عبد الرحمن السلمي يقرئ الناس في المسجد الأعظم أربعين سنة .
وقال سعد بن عبيدة: أقرأ أبو عبد الرحمن في خلافة عثمان، وإلى أن توفي في زمن الحجاج"، انظر: سير أعلام النبلاء: (4/ 268)، وغاية النهاية: (1/ 413).
ولذلك، فإن الذي ينبغي عليك أن تحافظي على هذا التعلق بالقرآن، وتتشبثي به ، وإياك أن تزهدي في هذا الأمر، فإنه خير بإذن الله، وبركة في الدنيا والآخرة .
ثانيًا:
والحرص على فهم كلام الله، والعمل به، خير وبركة، وهو مقصود التلاوة، وقد مدحهم الله فقال: ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ) البقرة/ 121 .
قال عبد الله بن مسعود: والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله .
ينظر: تفسير الطبري: (2/ 489).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إن كان قد حفظ القرآن، أو بعضه، وهو لا يفهم معانيه ، فتعلمه لما يفهمه من معاني القرآن: أفضل من تلاوة ما لا يفهم معانيه" الفتاوى الكبرى: (2/ 235).
وهذا الفهم ينبغي على كل مسلم أن يسعى لتحصيله .
فإن كانت الدراسة في الجامعة لا تشبع هذه الحاجة التي تجدينها في نفسك لمعرفة المعاني، فعليك أن تجتهدي في تعلم ذلك بنفسك، ونحن في زمن تيسرت فيه - والحمد لله - وسائل التعلم، فيمكنك مطالعة الكتب التي تعتني بلطائف الآيات، كتفسير الشيخ السعدي، أو إصدارات مركز تدبر .
ويمكنك متابعة الدروس التي ذكرت نفسك أنها معمقة ، مثل دروس الشيخ محمد الخضيري ، والشيخ مساعد الطيار، والشيخ عبد الرحمن الشهري ، ودروس الشيخ خالد السبت ، وغيرهم من أهل العلم ، ويمكنك أيضا الانتفاع بدورة دورة الأترجة في تفسير القرآن .
ثالثًا:
علم التجويد علم يسير لا يلبث الإنسان ، متى تعلمه : أن يصير سجية في قراءته للقرآن الكريم، وهو علم مهم ، لا سيما مع تخصصك، فهو من حلية التلاوة ، ومن تمام قراءة القرآن على وجهه ، والتغني به ، ومراعاة نطقه العربي .
وتذكري هذا الحديث الشريف ليكون حاديًا لك لتجاوز تلك الصعوبات التي تجدينها في تعلم التجويد. عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران )، رواه مسلم، (798).
وعن أبي هريرة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به )، رواه البخاري: (7544).
وقد يكون علم التجويد صعبًا عليك في بداية الأمر، فمتى ما تعود اللسان على طريقة النطق، سهل عليه بعد ذلك، وأصبح ذلك منه بلا تكلف، وكما قال الإمام ابن الجزري رحمه الله:
وليس بينه وبين تركه .. إلا رياضة أمرئ بفكه
فاصبري أيتها السائلة الكريمة، وتذكري الأجر الذي أعده الله تعالى للمتتعتع، والأجر الذي أعده الله للماهر .
ونعم ، المبالغة فيه ، والتكلف حتى يخرج عن قصده الأصلي : بتصحيح النطق والقراءة ، وتحسين التلاوة : أمر غير مستحسن ، ولا ممدوح ، كما هو التكلف كله ؛ إلا أن ذلك لا يعني الانصراف عن علم ذلك بالكلية ، ولا الزهد فيه . وقد جعل الله لكل شيء قدرا .
والنصيحة لك : أن تستمري في دراستك ، ولا شك أن كل دراسة ، وكل تخصص يمكنك أن تنتقلي إليه ، سوف تجدين فيه شيئا من الصعوبات ، وشيئا من الانصراف عن المقصد الأصلي إلى أمور تبعية ، وربما قدرا من الحشو ...
فلا يزهدنك ما تجدين في إتمام دراستك ، وإياك والتشتت ، وإكثار التنقل بين التخصصات والعلوم ؛ فإنه مهلكة للأعمار ، مضيعة للفوائد والعلوم .
وعليك بتعويض ما تجدينه من القصور : بجهدك الشخصي في المطالعة والسماع .
والله أعلم
تعليق