الحمد لله.
أولا :
بداية ، نحمد الله على ما من عليك أولا من الهداية إلى نعمة الإسلام ، وكفى بها نعمة ؛ فالحمد لله حمدا كثيرا ، طيبا مباركا ، كما يحب ربنا ويرضى .
ونحمده على أن من عليك بالحرص على التفقه في دينه ، ومعرفة حلاله وحرامه ، والحرص على ذلك ، والجد فيه .
ونسأل الله أن يزيدك إيمانا ، ويقينا ، وهدى ، وأن يجعل لك فرجا ومخرجا ، بمنه وكرمه ، وأن يجعل لك من أمرك يسرا .
ثانيا :
الإيداع في البنك الربوي محرم ، سواء كان بفائدة أو بدون فائدة ؛ لأنه إن كان بفائدة فهو القرض الربوي الصريح ، وإن كان بغير فائدة فهو من إعانة البنك على الربا ، لأنه معلوم أن البنك يستفيد ويتقوى بهذه الأموال .
إلا أن أهل العلم استثنوا حالة خاصة وهي ما إذا خاف الإنسان على ماله ولم يجد مكانا آمنا يحفظ فيه ماله ، فإنه يجوز له الإيداع في البنك الربوي ، من باب أن الضرورات تبيح المحظورات ، وحينئذ يلزمه أن يودع في الحساب الجاري من غير فائدة من باب : الضرورة تقدّر بقدرها ، وارتكاب أخف الضررين ، فهذه حالة مستثناة من عموم الحكم بتحريم الإيداع في البنك الربوي .
وينظر جواب السؤال رقم : (104349) ، ورقم : (82669) .
والحاصل :
أنه لا حرج عليك في وضع مالك في بنك ربوي ، إذا كنت مضطرة إلى ذلك ، إما لخوفك على المال ، مع عدم قدرتك على وضعه في بنك إسلامي ، أو لأن ظروفك الخاصة تضطرك إلى ذلك .
فإذا كنت مضطرة إلى ذلك ، فضعيه في الحساب الجاري ، من غير فائدة ، لئلا تدخلي مع البنك في معاملة ربوية باختيارك .
وهذا إذا كان ذلك بمقدورك ، وكنت قادرة على دفع ما يطلبه البنك من أجرة على هذا الإيداع ، ولن يسبب لك ذلك إشكالا مع أسرتك .
ولا حرج عليك في هذه الأجرة التي يأخذها البنك ، لأنها أجرة له ، على معاملة مباحة ، وهي حفظه لمالك ، فهو وكيل عنك في حفظ المال ، بأجرة متفق عليها ، وهذا أمر جائز ، لا حرج فيه .
وإن قلنا : إن البنك هنا مقترض ، وليس مجرد وكيل مؤتمن على حفظ المال ، فالممنوع هنا أن يعطي المقترِض ـ وهو هنا البنك ـ مالا ، أو فائدة للمقْرِض ، في مقابلة قرضه ، وهذا ما لم يحدث هنا ، وأما أن يعطي المقرِض أجرة ، أو فائدة ، أو نحو ذلك للمقترض : فلا حرج فيه .
وإنما منعنا من التعامل مع البنوك الربوية بصفة عامة ، ولو كان إيداعا من غير فائدة ، كما في هذه الصورة ، ليس لأن ذلك في نفسه محرم ، ولا لأن الأجرة التي يحصل عليها البنك محرمة ، ولكن لما في ذلك الإيداع من دعم القوة المالية للمصرف الربوي ، وزيادة أرصدته ، واستعانته بها على القروض والتعاملات الربوية المحرمة .
وليس عليك شيء من المسؤولية أو التبعة ، في تصرف البنك فيما قبضه منك من الأجرة ، فهذا حقه أخذه منك ، بمقتضى عقد صحيح ، وانقطعت صلتك به ، وصار ملكا للبنك، يتصرف فيه بما شاء، بمسؤوليته هو .
ثالثا :
وأما ما اهتممت بالسؤال عنه ، وهو كيفية التخلص من مال الربا ؛ فنقول لك نعم : إن الطريقة الصحيحة للتخلص من الكسب الربوي ، وما يشبهه من المكاسب المحرمة : هي إنفاق هذا المال في الصدقات ، ووجوه الخير والبر ، ومنافع المسلمين العامة .
وينظر جواب السؤال رقم: (128878) ، ورقم : (106510) .
فإن قدرت على إخراج هذا المال ، إما كله ، أو بعضه : لفقراء المسلمين ، والمحتاجين منهم ، أو الأعمال الخيرية الإسلامية ، مثل المساجد ، أو المراكز الإسلامية ، أو نحو ذلك من أبواب الخير والبر ، والدعوة إلى الله سبحانه : فهذا هو الذي ينبغي عليك ، ولا شك أن المسلم أحق بمثل ذلك ، ونفعه أولى من نفع من سواه ، والفقراء والمحتاجون فيهم أكثر من غيرهم .
لكن في مثل حالك ، لا يلزمك أن تخصي بها المسلمين ، إذا كنت تخافين من ذلك أن يلفت نظر أسرتك إليك ، أو يثير رِيبتهم ، وشكهم فيك .
فهنا نقول لك :
حاولي أن تخرجي من هذا المال ، ما يمكنك في وجوه الخير للمسلمين ، على النحو السابق . لكن لا تخصيهم به إذا خفت ، بل اجعلي لهم جزءا من ذلك ، لا يثير الريبة فيك ، ولو سرا ، ثم اجعلي الباقي في وجوه الخير العامة ، التي ينتفع بها المسلمون وغيرهم ، كالمستشفيات ، ودور الأيتام ، والأعمال الخيرية ، ونحو ذلك .
وإذا أعطيت جزاء منه للفقراء والمحتاجين ، ولو من غير المسلمين ، فلا حرج عليك ، لا سيما في مثل حالك ، فإن الصدقة على الكافر صحيحة ، ويؤجر عليها صاحبها إن شاء الله .
ومنها : إخراج هذا المال للتخلص منه ، بل الباب فيه أوسع من مجرد الصدقات ، وقد قلنا إنها تجوز على الكافر ، والرخصة فيه أقرب .
لكن عليك أن تنتبهي ألا تكون هذه الجهات الخيرية ، مما يعادي المسلمين ، أو يستخدم هذا المال في الصد عن سبيل الله ، ومحاربة المسلمين ، مثل الجمعيات التبشيرية ، ونحوها .
وإنما الذي يمنع من إعطائه للكافر : فهو زكاة المال المفروضة ، على وجه الخصوص .
وينظر جواب السؤال رقم : (3854) ، ورقم : (178424) .
والله أعلم .
تعليق