الحمد لله.
أولا:
تعمد ركل القرآن بالرجل، أو إلقاؤه في قذر، أو السخرية منه أو الاستهزاء به، جريمة عظيمة منكرة، وهي كفر بالله تعالى؛ لأن القرآن كلامه سبحانه. قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66
وقد يعاقب الله العصاة بألوان من العقوبات : منها المسخ إلى حيوانات، كما قال تعالى عن نفر من بني إسرائيل: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) البقرة/65، وقال: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) الأعراف/166
قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى: ولقد علمتم يا معشر اليهود، ما حل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره، إذ كان مشروعا لهم، فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت، بما وضعوا لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت، فلما جاءت يوم السبت ، على عادتها في الكثرة ، نشبت بتلك الحبائل والحيل، فلم تخلص منها يومها ذلك، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت. فلما فعلوا ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة، وهي أشبه شيء بالأناسي في الشكل الظاهر ، وليست بإنسان حقيقة. فكذلك أعمال هؤلاء وحيلهم : لما كانت مشابهة للحق في الظاهر ، ومخالفة له في الباطن، كان جزاؤهم من جنس عملهم" انتهى من تفسير ابن كثير (1/ 288).
روى الترمذي (2212) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَتَى ذَاكَ ؟ قَالَ : إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ ) صححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال في تحفة الأحوذي (6/ 348): "قَوْلُهُ (خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ) قَالَ في القاموس: خسف المكان يخسف خسوفا ذهب فِي الْأَرْضِ. وَقَالَ: مَسَخَهُ كَمَنَعَهُ حَوَّلَ صُورَتَهُ إِلَى أُخْرَى أَقْبَحَ.
وَقَالَ: قَذَفَ بِالْحِجَارَةِ يَقْذِفُ رَمَى بِهَا" انتهى.
فمن حيث الإمكان والقدرة : فإن الله تعالى قادر على ما ذكرت من تحويل هذه الفتاة إلى هذه الصورة .
وكذلك من حيث الوقوع : فقد حصل المسخ قديما، وسيقع مستقبلا كما في الحديث.
ثانيا:
ينبغي التنبه إلى أن أكثر هذه المقاطع ، أو عامتها : غير حقيقي، وهي من صنع الملاحدة غالبا، يريدون بها السخرية من المؤمنين؛ إذ يحرص كثير منهم على نقلها والتعليق عليها، وبيان قدرة الله وعظمته، فيسخر الملحد من ذلك لأنه يعلم أن القصة لا حقيقة لها.
والموقف من هذه القصص ألا تصدق وألا تكذب، وألا يلتفت إليها أصلا ، فضلا عن أن تُتَدولَ وتُنشر ، إلا إذا ثبت للإنسان ـ على وجه القطع واليقين ـ صحتها .
والغالب ـ في مثل ذلك ـ أنها لو صحت ، لسارعت القنوات إلى التصوير ، وإجراء حوار ونحوه، ولم يقف الأمر عند مجرد مقطع يمكن لأي هاوٍ أن يعمله.
وانظري للفائدة: جواب السؤال رقم (102056).
والله أعلم.
تعليق