الثلاثاء 4 جمادى الأولى 1446 - 5 نوفمبر 2024
العربية

زوجها أخوها الأكبر لأن أباهم قد تركهم وانقطع عنهم منذ كانوا صغارا

261255

تاريخ النشر : 12-03-2017

المشاهدات : 6961

السؤال

عن صحة عقد زواج ، طلق الوالد أمنا منذ أكثر من ربع قرن ، ومنذ ذلك الحين وهو مهمل لأولاده ، فأهمل تربيتهم ، وعلاجهم ، وتعليمهم ، والنفقة عليهم ، وطرد أمهم ، علماً إن أكبرهم كان عمره ١٢ عام ، كبر الأولاد بغياب الأم والأب ، في بيت معزوم بعناية بسيطة من الجد ، والد الأب ، ثم أنعم الله على كبير الأخوة فأصبح طبيبا ميسوراً ، فتولى تربية إخوته ، تعليمهم ، وعلاجهم ، والنفقة عليهم ، وتزويجهم ، خلال تلك السنين الطويلة كانت العلاقة شبه مقطوعة مع الأب ، لعدة أسباب ، أهمها : وجود زوجة أب ثانية ، كانت سبب الكثير من المآسي التي حلت بالأولاد خلال أكثر من ربع قرن . السؤال: تم تزويج إحدى البنات من الأم المطلقة ، وعمرها ٢٦ عام ، بتوكيل الخال من أخوها الأكبر الذي رباها بعد قطيعة والدها ، ووجود باقي الأخوال ، والأم المطلقة ، وشهود ، وأقارب ، وجيران ، فهل عقد الزواج صحيح شرعاً بغياب الأب ، ووجود الأخ المربي ، علماً أن التواصل معه كان صعباً ، ولكنه ممكن بصعوبة بالغة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

يشترط لصحة النكاح أن يعقده ولي المرأة، أو وكيله، في حضور شاهدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7557

 وولي المرأة هو: أبوها، ثم أبوه، ثم ابنها ثم ابنه (هذا إن كان لها ولد)، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أبناؤهما، ثم العمومة، ثم أبناؤهم، ثم عمومة الأب، ثم السلطان. وينظر: "المغني" (9/ 355).

وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء خلافا للحنفية الذين أجازوا زواج المرأة بلا ولي.

 والخال ليس وليا؛ لأن الولاية مختصة بالعصبة.

لكن إن وكل أخوها الأكبر خالها في عقد النكاح، فالمزوّج في الحقيقة هو أخوها، وهذا من باب تزويج الولي الأبعد (الأخ) مع غياب الأقرب (وهو الأب).

 وإذا زوج الأبعد عند غياب الولي الأقرب، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إن غاب غيبة منقطعة، جاز للأبعد تزويجها، ومنهم من قال: إن لم تمكن مراجعة الولي الأقرب وخيف فوات الخاطب الكفء زوجها الأبعد، ومنهم من قال: لا يزوجها الولي الأبعد بحال، بل يزوجها السلطان.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (31/322) : " لا يصح النكاح بغير ولي عند الجمهور . ويراعى في النكاح ولاية الأقرب فالأقرب .

واختلفوا فيما إذا غاب الأقرب . فقال الحنفية والحنابلة : إنه إذا غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة جاز لمن هو أبعد منه أن يزوج ، فإذا غاب الأب مثلا زوجها الجد ، وهو مقدم على السلطان ، كما إذا مات الأقرب .

وحد الغيبة المنقطعة عند الحنفية هو أن يكون في بلد لا تصل إليها القوافل في السنة إلا مرة واحدة ، وهو اختيار القدوري ، وقيل : أدنى مدة السفر ; لأنه لا نهاية لأقصاه ، وقيل : إذا كان بحال يفوت الخاطب الكفء باستطلاع رأي الولي .

وذهب الحنابلة إلى أن الغيبة المنقطعة هي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة ، قال البهوتي نقلا عن الموفق : وهذا أقرب إلى الصواب . فإن التحديد بابه التوقيف ولا توقيف ، وتكون الغيبة المنقطعة فوق مسافة القصر ، لأن من دون ذلك في حكم الحاضر .

أما المالكية فقد نصوا على أن الولي المجبر الأقرب ، إذا كان غائبا غيبة بعيدة : زوج الحاكم ابنة الغائب المجبرة ، دون غيره من الأولياء ، ولا يجوز تزويجها في غيبة قريبة ، لا للحاكم ولا لغيره من الأولياء بغير إذن الولي المجبر وبدون تفويضه ، حتى إنهم قالوا : يفسخ النكاح أبدا إذا زوج الحاكم أو غيره من الأولياء ، ولو أجازه المجبر بعد علمه ، ولو ولدت الأولاد .

وقال الشافعية : لو غاب الولي الأقرب نسبا أو ولاء إلى مرحلتين ولا وكيل له بالبلد ، أو دون مسافة القصر ، زوج سلطان بلد الزوجة أو نائبه ، لا سلطان غير بلدها ، ولا الأبعد على الأصح " انتهى مختصرا .

وقال في "زاد المستقنع": " فإن عضل الأقرب، أو لم يكن أهلا، أو غاب غيبة منقطعة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة زوج الأبعد ".

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: أو غاب غيبة منقطعة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة زوج الأبعد، أي: غاب عن بلد المرأة المخطوبة أبوها مثلا، أو أخوها، أو وليها، غيبة منقطعة، وفسرها بقوله: لا تقطع إلا بكلفة ومشقة فإنه يزوج الأبعد.

والمؤلف ـ رحمه الله ـ قيد الغيبة بالتي لا تقطع إلا بكلفة ومشقة، وهذا يختلف باختلاف الأزمان، ففيما سبق كانت المسافات بين المدن لا تقطع إلا بكلفة ومشقة، والآن بأسهل السبل، فربما لا يحتاج إلى سفر، فيمكن يخاطب بالهاتف، أو يكتب الأب بالفاكس وكالة ويرسلها بدقائق، فالمسألة تغيرت.

وقيده بعض أهل العلم بما إذا غاب غيبة يفوت بها الخاطب، يعني ـ مثلا ـ قال الخاطب: أنا لا أنتظر إلى يومين أو ثلاثة أو عشرة أيام، أو شهر، أعطوني خبرا في خلال يوم، وإلا فلا.

فبعض العلماء يقول: إذا كانت الغيبة يفوت بها الخاطب الكفء فإنه تسقط ولايته ...

والذي ينبغي أن يقال: إن كانت مراجعته ممكنة فإنه لا يزوِّج الأبعد .

والسبب في هذا أننا لو قلنا بتزويج الأبعد في هذه الحال مع إمكان المراجعة؛ لأدى ذلك إلى الفوضى، وصار كل إنسان يريد امرأة يذهب إلى ابن عمها إذا غاب أبوها ـ مثلاً ـ في سفر حج، أو نحوه، ثم يقول: زوجني، فيحصل بذلك فوضى ما لها حد .

فالصواب أنه يجب مراعاة الولي الأقرب لا سيما في الأبوة فلا يُزوج إلا إذا تعذر.

فمثلا لو فرضنا أن الأب سافر إلى بلاد أوربية، ولا نعلم عنه خبرا ، فهنا نقول: ما نفوت مصلحة البنت من أجل أن نطلب هذا الرجل؛ لأننا يمكن أن نبقى شهرين أو ثلاثة أو سنة ما نعلم عنه، والمذهب ـ أيضا ـ خلاف كلام المؤلف، فالمذهب إذا غاب مسافة قصر : زوج الأبعد .

وعلى هذا فلو كان ـ مثلا ـ الولي في الزلفى وهي في عنيزة، لا نراجع أباها، ويزوجها الأبعد؛ لأنهم يعتبرون أن من بينه وبين موليته مسافة قصر تسقط ولايته .

ولكن كل هذا فيه نظر، فالصواب أنه متى أمكن مراجعة الولي الأقرب فهو واجب، وإذا لم يمكن، وكان يفوت به الكفء فليزوجها الأبعد " انتهى من "الشرح الممتع" (12/ 89 - 91).

وعليه فقد أخطأ الأخ الأكبر بعدم الرجوع إلى أبيه، وكان يمكنه أخذ موافقته ، وتوكيل من ينوب عنه.

لكن : إذا كان العقد قد اعتمده قاض شرعي ، فإنه لا يُنقض ، ولو كان بلا ولي أصلا.

قال ابن قدامة رحمه الله : " فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم، أو كان المتولي لعقده حاكما، لم يجز نقضه، وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة " انتهى من المغني (7/ 8) .

وإذا لم يعتمده قاض شرعي ، فالواجب الرجوع إلى الأب ، وتجديد العقد بحضوره ، أو بحضور وكيله.

 ثانيا:

الواجب بر الأب وصلته ، مهما كان تقصيره وتفريطه في حق أبنائه.

قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/23.

وقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/36، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على وجوب بر الوالدين.

وإساءة الوالد وتقصيره ، لا تبيح عقوقه وهجره وقطع رحمه.

وقد روى مسلم (2558) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ : ( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ).

ومعنى ( تسفهم المَلّ ) : أي تطعمهم الرماد الحار. وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم ، بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم.

وقيل المعنى : أن ذلك الذي يأكلونه من إحسانك ، كالمل يحرق أحشاءهم.

 فوصيتنا لهؤلاء الأبناء أن يتقوا الله تعالى، وأن يصلوا أباهم، وأن يحسنوا إليه مهما أساء إليهم، ليفوزوا بثواب البر، ويَسلموا من مغبة العقوق وقطيعة الرحم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب