الحمد لله.
أولا:
إذا ثبت سلامة المرأة من عيب يمنع الوطء، فليس للزوج حق الفسخ، فإن طلقها لزمه المهر كاملا؛ لحصول الخلوة بها .
قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله : " وتقرره – أي : الصداق - الخلوة المذكورة ، ولو لم يطأ ، ولو كان بهما ـ أي : الزوجين ـ مانع ، أو كان بأحدهما مانع حسي ، كجب ورتق ..... ، وحكم الخلوة حكم الوطء في تكميل المهر ووجوب العدة " .
انتهى من " كشاف القناع "(5/153).
وينظر: جواب السؤال رقم 193599
ويثبت لها حقها كاملا عليه – أيضا - : إذا حكم القاضي بطلاقها منه .
وهذا الطلاق بعد الخلوة وقبل الوطء يقع رجعيا عند الحنابلة، خلافا للجمهور، فتلزم نفقة المرأة خلال العدة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (22/107) في شروط الرجعة :
" الشرط الثاني : أن تحصل الرجعة بعد الدخول بالزوجة المطلقة ، فإن طلقها قبل الدخول وأراد مراجعتها : فليس له الحق في ذلك . وهذا بالاتفاق لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) .
إلا أن الحنابلة اعتبروا الخلوة الصحيحة في حكم الدخول من حيث صحة الرجعة ؛ لأن الخلوة ترتب أحكاما مثل أحكام الدخول .
أما الحنفية والمالكية ، والشافعية على المذهب : فلا بد عندهم من الدخول لصحة الرجعة ، ولا تكفي الخلوة " انتهى .
وعلى هذا فللمرأة أن تطالب بنفقة العدة إلا أن يكون الطلاق تم على شرط إبراء الزوج من ذلك.
ثانيا:
المتعة تجب للمطلقة قبل الدخول، إذا لم يكن لها مهر محدد عند العقد ، لقوله تعالى : ( لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) البقرة/236 .
فإن كان الطلاق بعد الدخول أو الخلوة، لم تجب المتعة عند جمهور الفقهاء ، بل تستحب .
وذهب جماعة من أهل العلم إلى وجوب المتعة لكل مطلقة، وهو أحد قولي الشافعي، ورواية عن أحمد، ومذهب الظاهرية، وأبي ثور، وقال به من السلف سعيد بن جبير، والزهري وقتادة والضحاك، واختاره ابن جرير الطبري، وابن تيمية، والحافظ ابن حجر.
وينظر: تفسير ابن كثير (1/ 660), الإنصاف (8/ 302)، المحلى (10/3 )، تفسير الطبري (4/ 301)، مصنف عبد الرزاق 7/70، مجموع الفتاوى (32/ 27).
قال ابن كثير رحمه الله: " وقوله: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما نزل قوله: متاعا بالمعروف حقا على المحسنين [البقرة:236] قال رجل: إن شئت أحسنتُ ففعلت وإن شئتُ لم أفعل. فأنزل الله هذه الآية: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين.
وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى وجوب المتعة لكل مطلقة، سواء كانت مفوضة أو مفروضا لها، أو مطلقة قبل المسيس أو مدخولا بها، وهو قول عن الشافعي، رحمه الله. وإليه ذهب سعيد بن جبير وغيره من السلف، واختاره ابن جرير.
ومن لم يوجبها مطلقا يخصص من هذا العموم بمفهوم قوله: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين.
وأجاب الأولون: بأن هذا من باب ذكر بعض أفراد العموم فلا تخصيص على المشهور المنصور، والله أعلم" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : تجب المتعة لكل مطلقة، حتى بعد الدخول، واستدل بقوله تعالى: ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) [البقرة/241] و"المطلقات" عام، وأكد الاستحقاق بقوله: (حَقّاً) أي: أحقه حقاً، وأكَدَّه بمؤكد ثانٍ وهو قوله: (عَلَى الْمُتَّقِينَ)، فدلّ هذا على أن القيام به من تقوى الله، وتقوى الله واجبة .
وما قاله الشيخ رحمه الله قوي جداً فيما إذا طالت المدة، أما إذا طلقها في الحال فهنا نقول:
أولاً: إنّ تعلق المرأة بالرجل في المدة اليسيرة قليل جداً.
ثانياً: إنّ المهر حتى الآن لم يفارق يدها، فقد أُعطيته قريباً.
أما إذا طالت المدة سنة، أو سنتين، أو أشهراً، فهنا يتجه ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله، فيكون هذا القول وسطاً بين قولين، الاستحباب مطلقاً، والوجوب مطلقاً، وهذا هو الراجح " انتهى من "الشرح الممتع" (12/308).
وعلى هذا القول: فلهذه المرأة أن تطالب بالمتعة، وأن ترفع دعوى قضائية لذلك.
والله أعلم.
تعليق