الاثنين 3 جمادى الأولى 1446 - 4 نوفمبر 2024
العربية

حكم قتل الكلب الأسود البهيم

262092

تاريخ النشر : 25-07-2017

المشاهدات : 111612

السؤال

هل يجوز لي قتل أي كلب أسود بهيم مع نقطتين على العينين ؟ أم هناك معيار معين علي اتباعه لقتلهم ، بدون أن أقترف ذنباً ؟ فلقد قرأت حديثاً في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالأسودِ البهيمِ ذي النقطتينِ . فإنَّهُ شيطانٌ ) .

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

الحديث الذي أورده السائل حديث صحيح ، أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (1572) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ ، ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا ، وَقَالَ: (عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ ).

وتفسيره كما قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (10/237) قال :" معنى البهيم : الخالص السواد ، وأما النقطتان فهما نقطتان معروفتان بيضاوان فوق عينيه ، وهذا مشاهد معروف ". انتهى

والحديث يبين أنه كان هناك أمر بقتل الكلاب ، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتلها ، إلا الكلب الأسود الخالص الذي فوق عينيه نقطتان فقد أذن بقتله.

أما أصل السؤال عن حكم قتل الكلب ، وخاصة الأسود البهيم ذي النقطتين ، فجوابه كما يلي :

أولا : اتفق أهل العلم على جواز قتل الكلب العقور الذي يعتدي على الناس ، والكلب الكَلِب أي المصاب بداء الكلب . قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (10/235) :" أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قتل الكلْب الكلِب والكلب العقور واختلفوا في قتل مالا ضَرَرَ فِيهِ ". انتهى .

وكذلك اتفق أهل العلم على حرمة قتل الكلب الذي أذن الشرع في اقتنائه مثل كلب الصيد والماشية . قال ابن قدامة في "المغني" (4/190) :" أَمَّا قَتْلُ الْمُعَلَّمِ فَحَرَامٌ ، وَفَاعِلُهُ مُسِيءٌ ظَالِمٌ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ كَلْبٍ مُبَاحٍ إمْسَاكُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُنْتَفَعٌ بِهِ يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ ، فَحُرِّمَ إتْلَافُهُ ، كَالشَّاةِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ". انتهى

ثانيا : اختلف أهل العلم في حكم قتل ما سوى ذلك من الكلاب على عدة أقوال :

الأول : أن الأمر بقتل الكلاب منسوخ ، ولا يجوز قتل شيء منها سوى المؤذي فقط ، وهو قول الحنفية ، كما في "الدر المختار" (2/570) ، والمعتمد عند الشافعية ، انظر : "نهاية المطلب" (5/494) .

الثاني : جواز قتل الكلاب إلا كلب الصيد والماشية ، وهو قول الإمام مالك ، قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (5/242) :" ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب ، إلا ما استثني من كلب الصيد وما ذكره معه ، وهو مذهب مالك وأصحابه ". انتهى

الثالث : أنه يجوز قتل الكلب الأسود البهيم ، وهو المعتمد عند الحنابلة ، قال ابن قدامة في المغني (4/191) : "فَأَمَّا قَتْلُ مَا لَا يُبَاحُ إمْسَاكُهُ ، فَإِنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ يُبَاحُ قَتْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ: سَأَلْت أَبَا ذَرٍّ فَقُلْت:" مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَحْمَرِ مِنْ الْأَبْيَضِ؟ فَقَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلْتنِي، فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:" لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَأَمَرْت بِقَتْلِهَا ، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ " . انتهى

وسبب الخلاف بين أهل العلم في ذلك هو التعارض الظاهري بين النصوص الواردة في المسألة، فقد وردت أحاديث بالأمر بقتل الكلاب عامة دون تخصيص ، ومن ذلك ما أخرجه البخاري (3323) ، ومسلم (1570) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلاَبِ ".

ووردت أحاديث أخرى بالأمر بقتل الكلاب باستثناء كلب الصيد والماشية ، ومن ذلك ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (1571) عَنِ ابْنِ عُمَرَ،" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ، إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ ، أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ ، أَوْ مَاشِيَةٍ ".

ووردت أحاديث تبين أن أول الأمرين كان الأمر بقتل الكلاب ، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها بعد ذلك ، ومن ذلك ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (280) من حديث عبد الله بْنِ الْمُغَفَّلِ ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ، ثُمَّ قَالَ:" مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟" ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ، وَقَالَ: " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ ".

ووردت أحاديث بالتنصيص على قتل نوعين من الكلاب خاصة ، وهما الكلب العقور ، والكلب الأسود البهيم ، وفي بعض هذه الأحاديث ما يفيد أنها كانت بعد النهي عن قتل الكلاب، كالحديث الوارد في السؤال في شأن قتل الكلب الأسود البهيم .

فأما الكلب العقور فقد ورد فيه ما أخرجه البخاري (1829) ومسلم (1198) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ ، وَالحِدَأَةُ ، وَالعَقْرَبُ ، وَالفَأْرَةُ ، وَالكَلْبُ العَقُورُ) .

وأما الكلب الأسود البهيم فورد فيه الحديث الوراد في السؤال .

والراجح من هذه الأقوال : هو النهي عن قتل الكلاب إلا الكلب العقور والأسود البهيم .

وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (171806) .

ثانيا :

الأمر بقتل الكلب الأسود ليس على سبيل الوجوب ، حتى عند من قال إن الأمر بقتله لم ينسخ.

قال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" (10/416) : "وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِوُجُوبِ قَتْلِهِ" انتهى .

وعلى ذلك : فلا إثم على من ترك قتله ، لا سيما إذا لم يكن مملوكا له .

ويتأكد هذا – أي : ترك قتله ، من غير حرج في ذلك – إذا كان في قتله ضرر على القاتل ، كملاحقة قانونية ، إذا كان ذلك في بلد غير إسلامي يعتبر قتل الكلب الأسود وغيره جريمة يعاقب عليها القانون .

وبناء على هذا يقال : إن من استطاع قتل الكلب الاسود ، بلا مفسدة راجحة : فقد أحسن .

ومن ترك قتله ، أو لم يستطع قتله لما في قتله من ضرر عليه : فلا حرج عليه ولا إثم .

وينظر لمزيد الفائدة السؤال رقم (225221) .

والله أعلم .


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب