السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

حكم وقف النقود ليضارب بها ويعطى ربحها للموقوف عليهم

265378

تاريخ النشر : 20-05-2017

المشاهدات : 11791

السؤال

قبل وفاة والدي دخل في عقد مضاربة مع تاجر بمبلغ قدره خمسة آلاف جنيه بنية أن يكون هذا المبلغ وكذلك الربح الناتج عنه وقفا علي أشخاص فقراء معينين ، ثم توفي والدي والآن سيتم فض عقد المضاربة ، فهل يجوز التبرع بالخمسة آلاف جنيه لليتامى؟

الجواب

الحمد لله.

إذا كان والدك قد صرح بأن هذا المال وقف، وأن ربحه يذهب لفقراء معينين، فلا يجوز التبرع به لليتامى، بل يجب أن يظل وقفا .

فإذا أمكن إدخال المال مع مضارب آخر، وإلا فإنه يبحث عن وسيلة مشروعة لاستثمار المال، بحيث يعطى ريعه لمن عينهم الواقف.

والأصل في ذلك أن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولا يحول إلى صدقة عادية، بل يجب تحقيق مقصد الواقف وشرطه، من بقاء عين المال، واستفادة المعينين من ريعه.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (44 / 119): " ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ : إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ مَتَى صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ، مُسْتَكْمِلاً شَرَائِطَهُ : أَصْبَحَ لاَزِمًا ، وَانْقَطَعَ حَقُّ الْوَاقِفِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ ، بِأَيِّ تَصَرُّفٍ يُخِل بِالْمَقْصُودِ مِنَ الْوَقْفِ ، فَلاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ؛ وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ ، وَلاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ) رواه البخاري (2764) ومسلم (1633)" انتهى .

وفيها (44/ 131): " الوقف قربة اختيارية، يضعها الواقف فيمن يشاء، وبالطريقة التي يختارها. وله أن يضع من الشروط عند إنشاء الوقف: ما لا يخالف حكم الشرع .

والشروط التي يضعها الواقف: يجب الرجوع إليها، ولا يجوز مخالفتها، إذا لم تخالف الشرع، أو تناف مقتضى الوقف؛ إذ إن شرط الواقف كنص الشرع كما يقول الفقهاء" انتهى.

ووقف النقود جائز على الراجح، وإليه ذهب المالكية، وزفر من الحنفية، وهو رواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.

ووقفها بأن تُقرض لمن يحتاجها، أو يضارَبُ بها ، ويعطى ربحها لمن وقفت عليه ، كما جاء في السؤال.

 قال شيخ الإسلام رحمه الله:

" نقل الميموني عن أحمد: أن الدراهم إذا كانت موقوفة على أهل بيته : ففيها الصدقة . وإذا كانت على المساكين فليس فيها صدقة.

قلت : رجل وقف ألف درهم في السبيل؟

قال: إن كانت للمساكين فليس فيها شيء.

قلت: فإن وقفها في الكُراع والسلاح؟

قال: هذه مسألة لبس واشتباه.

قال أبو البركات: وظاهر هذا جواز وقف الأثمان لغرض القرض، أو التنمية والتصدق بالربح، كما قد حكينا عن مالك والأنصاري.

قال: ومذهب مالك صحة وقف الأثمان للقرض. ذكره صاحب "التهذيب" وغيره في الزكاة ... وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: يجوز وقف الدنانير؛ لأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاك عينها ، وتدفع مضاربة ، ويصرف ربحها في مصرف الوقف" انتهى من مجموع الفتاوى (31/ 234).

وفي الموسوعة الفقهية أيضا (41/ 194): " وأما المالكية فيوافقون على عدم جواز وقف النقود على الإنفاق وعلى التزين ونحوه من المصالح، لكن ذهبوا إلى أنها إن وقفت على الإقراض جاز. وقد نص عليه الإمام مالك في المدونة، فتقرض لمن ينتفع بإنفاقها، ويرد بدلها، فإذا رد بدلها تقرض لغيره، وهكذا. قالوا: وينزل رد بدل النقود منزلة بقاء عينها .

وتفصيل مذهب الحنفية في ذلك: أن مقتضى قول أبي حنيفة وأبي يوسف عدم جواز وقف النقود؛ لأنه لا يجوز وقف المنقولات أصلا عندهما.

وروي عن زفر من طريق الأنصاري إجازة وقفها - أي الدراهم والدنانير -.

وقول محمد : إنه لا يجوز وقف المنقولات ، لكن إن جرى التعامل بوقف شيء من المنقولات جاز وقفه. قال في الاختيار: والفتوى على قول محمد ، لحاجة الناس وتعاملهم بذلك، كالمصاحف والكتب والسلاح.

وبناء على ذلك: فحين جرى التعامل في العصور اللاحقة بوقف النقود ، وجدت الفتوى بدخول النقود تحت قول محمد بجواز وقف ما جرى التعامل بوقفه. قال في الدر المختار: بل ورد الأمر للقضاة بالحكم به ، كما في معروضات أبي السعود.

ووجه الانتفاع بها مع بقاء عينها هو عندهم : بإقراضها، وإذا رد مثلها ، جرى إقراضه أيضا، وهكذا، قال ابن عابدين: لما كانت الدراهم والدنانير لا تتعين بالتعيين، يكون بدلها قائما مقامها لعدم تعيُّنها.

وذكر زفر وجها آخر: أن تُدفع مضاربة إلى من يعمل فيها، ثم يتصدق بالربح في الوجه الذي وقفت عليه" انتهى.

وقال المرداوي في الإنصاف (7/ 11) : " وقال في الفائق وعنه [أي : الإمام أحمد] : يصح وقف الدراهم. فيُنتفع بها في القرض ونحوه. اختاره شيخنا. يعني به الشيخ تقي الدين-رحمه الله.

وقال في الاختيارات: ولو وقف الدراهم على المحتاجين: لم يكن جواز هذا بعيدا" انتهى.

والحاصل : أنه يلزم جعل هذا المال موقوفا على من عيّنهم والدك، ولا يجوز التبرع به للأيتام، بل لا يجوز التبرع به للموقوف عليهم؛ لأن هذا إلغاء للوقف، وعليكم أن تجتهدوا في وضع المبلغ في استثمار آمن، وإنفاق ريعه على وفق ما شرط الوالد .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب