الحمد لله.
فرض الله سبحانه وتعالى خمس صلوات في اليوم والليلة ، وجعل لكل صلاة منها وقت بداية وانتهاء ، قال الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103
وجعل وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الصادق إلى شروق الشمس ، فيجوز للمسلم أن يصليها أول الوقت أو وسطه أو آخره ، ويحرم عليه أن يؤديها بعد ذلك أو قبله .
قال صلى الله عليه وسلم (وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) رواه مسلم (612) .
ولا يأمر سبحانه وتعالى بأمر إلا وله فيه الحكمة البالغة ، علمها من علمها ، وجهلها من جهلها ، فمن هذه الحكم ، وهو أولها :
- تمييز المطيع المؤمن المصدق بوعد الله ، من العاصي المكذب المستريب ، ليستحق الجنة الطائعون ، ويستحق النار العاصون .
- ومن الحكم : أن الله جعل الصلوات الخمس مؤقتة بأوقات متفرقة في اليوم والليلة ؛ ليكون العبد على صلة بربه طيلة اليوم .
قال ابن القيم :
"لما كان العبد ، خارج الصلاة ، مهملاً جوارحه قد أسامها في مراتع الشهوات والحظوظ ؛ أُمِر بالعبودية والإقبال بجميع جوارحه وحواسه وقواه لربه عز وجل ، واقفاً بين يديه ، مقبلاً بكله عليه، معرضاً عمن سواه ، متنصلاً من إعراضه عنه ، وجنايته على حقه .
ولما كان هذا طبعه ودأبه ؛ أُمر أن يجدد هذا الرجوع إليه والإقبال عليه ، وقتاً بعد وقت ، لئلا يطول عليه الأمد فينسى ربه ، وينقطع عنه بالكلية ، وكانت الصلاة من أعظم نعم الله عليه وأفضل هداياه التي ساقها إليه" انتهى من "شفاء العليل" (ص230) .
وليس هناك خصوصية للسؤال عن الفجر دون غيره ، فجميع الصلوات لها وقت محدد يجب أداؤها فيه ، كما أمر الله به عباده ، وشرعه لهم .
قال الشيخ ابن عثيمين :
"فإن الله تعالى فرض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة مؤقتة بأوقات اقتضتها حكمة الله تعالى ، ليكون العبد على صلة بربه تعالى في هذه الصلوات مدة هذه الأوقات كلها ، فهي للقلب بمنزلة الماء للشجرة تُسقى به وقتاً فوقت ، لا دفعة واحدة ثم ينقطع عنها" انتهى من "مقدمة رسالة أحكام مواقيت الصلاة للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله .
ولو رُخّص للعبد في تأخير الفجر ؛ لضاعت عليه هذه الحكمة ، خاصة وأن صلاة الفجر تأتي بعد فاصل طويل بينها وبين العشاء .
- ولعل من الحكم في عدم الترخيص في تأخيرها ، إعانة المسلم على اغتنام الوقت المبارك للذكر قبل طلوع الشمس ، وإدراك البركة في التبكير لطلب الرزق ، وتعويد النفس على النشاط ، والتغلب على الكسل ، حيث إن النفس لا تنشط للقيام حتى تتشبع بالنوم والراحة ، أو ترتفع الشمس وتضطر الناس لذلك بحرارتها ، فأُمر المسلم بالاستيقاظ للفجر ليكون أدعى لنشاطه وأبين في استجابته وطاعته لربه .
- ولعل من الحكم أيضا أن يؤدي المسلم الصلاة شكرا لربه سبحانه على آية النهار، حال استمتاعه بهذه النعمة في وقتها ، وهو وقت انسلاخ الليل وغشيان النهار عليه ، قبل أن يستتم ذلك بطلوع الشمس .
فقد ذكر بعض أهل العلم أن صلاة الفجر جعلت في هذا الوقت شكرا لله تعالى على نعمة النهار.
قال الشيخ ابن عثيمين :
"فإن قيل : ما الحكمة في جعلها في هذه الأوقات ؟
فالجواب : أما الفجر : فإن ظهور الفجر بعد الظلام الدَّامس من آيات الله عز وجل التي يستحق عليها التعظيم والشكر ، فإن هذا النور الساطع بعد الظلام الدامس لا أحد يستطيع أن يأتي به إلا الله ، لقوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) [القصص:71] " انتهى من "الشرح الممتع" (2/143).
- ومن الحكم في توقيتها: أنها تدرب المرء على حب النظام، في جميع شؤونه، واحترام الوقت ولو كان في ذلك قطع راحته وملذاته .
وقد يكون لذلك من الحكم والمصالح ما لا نعلمه ، ولكن الله يعلمه ، ولهذا شرع الصلوات الخمس في مواقيتها المعلومة .
وسواء صحت هذه الحكم كلها ، أو لم يصح منها شيء : فالحكمة العظمى من ذلك كله : هي طاعة الله وطاعة رسوله ، وتحقيق العبودية لرب العالمين .
قال الله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) البقرة/285.
وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) الأحزاب/36
والله أعلم .
تعليق