الحمد لله.
إذا مات الرجل وترك زوجتين، وابنا وبنتين، فإن تركته تقسم كما يلي:
للزوجتين الثمن معا؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12
والباقي لأولاده، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11
فتشترك الزوجتان في الثمن، ولا يلتفت لكون إحداهما لها أولاد، والثانية ليس لها أولاد .
فالعدل في ميراث الزوجتين : أن تكون الزوجة كالزوجة، لا تفضّل عليها، فلا فرق بين الجميلة والقبيحة، والنسيبة والوضيعة ، والغنية والفقيرة ، وذات الولد ومن لا تلد .
وهذا من عدل الله تعالى وحكمته، وقد تولى سبحانه قسم الميراث بنفسه، فحدد نصيب الزوجة في حال وجود الفرع الوارث، وبين اشتراك الزوجات في هذا النصيب ولهذا قال: (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) .
وقد قال تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الأنعام/115
وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل/90
وإذا لم يثبت في قلب العبد المؤمن إيمان لا يخالطه ريب ، ويقين لا يخالطه شك : بعدل الله التام المطلق ، في حكمه وأمره ، وقضائه وقدره ، وأنه العليم الحكيم سبحانه : فماذا بقي له من إيمانه برب العالمين ؟!
وقد كان معاذ بن جبل رضي الله عنه : لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ حِينَ يَجْلِسُ إِلَّا قَالَ:
اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ ؛ هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ !!
رواه أبو داود (4611) وصححه الألباني .
وكأن السائل يلمح إلى أن ذات الأولاد ينبغي أن تأخذ أكثر لأنها ستهتم بأولادها ؟!
فيقال: إن أولادها سيكون لهم نصيبهم من التركة، وفي هذه الحالة لا يجب عليها أن تنفق عليهم من مالها، بل تنفق عليهم من مالهم هم .
وأما كون الزوج جعفريا، والزوجة سنية، فما دام الزوج قد مات ، وهو على نكاحه من هذه المرأة السنية ، وكانا يعتقدان صحة هذا النكاح ، ولم يحكم القاضي بفسخه ، ولا التفريق بينهما : فإن جميع الأحكام المتعلقة بذلك ، من العدة والنسب والميراث ، تثبت بهذا النكاح ، كما تثبت بالنكاح الصحيح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر ؛ بل الولد للفراش ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) .
فمن طلق امرأته ثلاثا ، ووطئها ، يعتقد أنه لم يقع به الطلاق : إما لجهله ، وإما لفتوى مفتٍ مخطئ قلَّده الزوج ، وإما لغير ذلك : فإنه يلحقه النسب ، ويتوارثان بالاتفاق .
ومن نكح امرأةً نكاحاً فاسداً ، متفقاً على فساده ، أو مختلفاً في فساده ، أو وطئها يعتقدها زوجته الحرة : فإن ولده منها يلحقه نسبه ، ويتوارثان باتفاق المسلمين ...
وبهذا قضى الخلفاء الراشدون ، واتفق عليه أئمة المسلمين ...
هذا في المجمع على فساده ، فكيف في المختلف في فساده !" انتهى من " مجموع الفتاوى " (34/ 14).
وينظر: "فتاوى الرملي" (2/244) .
والله أعلم.
تعليق