الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

ماهو اليقين وما صفات أهل اليقين ؟

267885

تاريخ النشر : 11-07-2017

المشاهدات : 154919

السؤال

ماهو اليقين ؟ وما هي صفات أهل اليقين ؟ وكيف يصل المسلم لليقين ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

قال ابن سعدي " اليقين : هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك، الموجب للعمل " انتهى من "تفسير السعدي" ص(40).

وقال بعضهم " ظهور الشيء للقلب بحيث يصير نسبته إليه كنسبة المرئي إلى العين فلا يبقى معه شك ولا ريب أصلا وهذا نهاية الإيمان وهو مقام الإحسان " ينظر "مدارج السالكين"(2/399) .

فاليقين أرقى درجات الإيمان ، وأخص صفات أهل التقوى والإحسان ، قال تعالى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة لقمان : 4-5

قال ابن القيم :

" اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون، وهو مع المحبة ركنان للإيمان، وعليهما ينبني وبهما قوامه، وهما يُمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، وعنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تُفتتح بالمحبة واليقين، وهما يثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم" انتهى من "مدارج السالكين" (2/397) .

واليقين على ثلاثة أوجه ، ذكرها أبو بكر الوراق : يقين خبر ، ويقين دلالة ، ويقين مشاهدة .

قال ابن القيم رحمه الله :

" يريد بيقين الخبر : سكون القلب إلى خبر المخبِر، وتَوَثُّقُة به .

وبيقين الدلالة : ما هو فوقه ، وهو أن يقيم له ، مع وثوقه بصدقه : الأدلة الدالة على ما أخبر به ، وهذا كعامة أخبار الإيمان والتوحيد والقرآن ، فإنه سبحانه مع كونه أصدق الصادقين ، يقيم لعباده الأدلة والأمثال والبراهين على صدق أخباره ، فيحصل لهم اليقين من الوجهين : من جهة الخبر ، ومن جهة الدليل .

فيرتفعون من ذلك إلى الدرجة الثالثة ، وهي يقين المكاشفة ، بحيث يصير المخبَر به لقلوبهم ، كالمرئي لعيونهم ؛ فنسبة الإيمان بالغيب حينئذ إلى القلب : كنسبة المرئي إلى العين .

وهذا أعلى أنواع المكاشفة ، وهي التي أشار إليها عامر بن عبد قيس في قوله : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا . وليس هذا من كلام رسول الله ولا من قول علي كما يظنه من لا علم له بالمنقولات " انتهى من "مدارج السالكين" (2/400) .

ثانيا :

صفات أهل اليقين كثيرة ، وينتظم في صفاتهم جميع الصفات المؤدية إلى رضى الرحمن ، ولكن نذكر منها على سبيل المثال :

1- هوان مصائب الدنيا عليهم : ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم قْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصائب الدُّنْيَا ، اللهم أمتعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا ، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِى دِينِنَا ، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا ، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا" أَخْرَجَهُ الترمذي (3502) و"النَّسَائي" في عمل اليوم والليلة (402) عن ابن عمر رضي الله عنه .

وهوان المصيبة ، والتحلي بالصبر تجاهها : يتفاوت على حسب تفاوت اليقين في القلوب ، فأعظم الناس صبرا ، هو أعظمهم يقينا ، وكلما ترقى العبد في مراتب اليقين ترقى في مراتب الصبر ، كما قال تعالى (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) .

2- راحة النفس وطمأنينة القلب فيما يفوت من حظوظ الدنيا ، ثقة بموعود الله ، ورجاء العوض والخلف منه سبحانه .

3 – قوة توكلهم على الله واستشعار معيته لهم : قال صلى الله عليه وسلم لصاحبه في الغار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد أحدقت بهم الأخطار " ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا " .

قال سبحانه : ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (40) سورة التوبة .

وقال موسى ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )

4- كثرة إنفاقهم في سبيل الله ليقينهم التام بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، وأن الرزق ليس بيد أحد من البشر وإنما هو بيد الله تعالى وحده ، قال سبحانه : ( وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) .

5- من سيماهم الخشوع والاستقامة :

قال الحسن البصري رحمه الله : "ما أيقن عبد بالجنة حق يقينها ، إلا خشع ووجل وذل واستقام واقتصر حتى يأتيه الموت" . ابن أبي الدنيا : اليقين 97.

6- من سيماهم : زهدهم في الدنيا وقصر أملهم فيها : فلا تتعلق نفس الموقن بها، ولا يتشبث بُحطامها، وإنما يكون زاهداً فيها؛ لأنه يعلم أنها ليست موطناً له، ولأنه يعلم أنها دار ابتلاء، وأنه فيها كالمسافر يحتاج إلى مثل زاد الراكب، ثم بعد ذلك يجتاز ويعبر إلى دار المقام، فهو بحاجة إلى أن يشمر إليها، وأن يعمل لها .

7- من سيماهم عظيم انتفاعهم بآيات الله الكونية والشرعية ، كما قال تعالى وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ .

إلى غير ذلك من أعمال البر والإحسان التي يزداد منها المؤمن بقدر يقينه .

ثالثا :

سبيل تحصيل اليقين يحتاج إلى مقامين :

مقام الرسوخ في العلم النافع ، بكثرة النظر والبحث فيه ، والنظر في شواهده ودلائله الصحيحة .

ثم بذل الوسع في فعل المأمور ، والمجاهدة والمصابرة عليه ، واجتناب المنهي عنه ، حتى تتزكى النفس ، وتتخلص من حظوظها ويسلم القلب ويصفو ويزداد الإيمان حتى يبلغ مرتبة اليقين .

وأعظم أبواب تحصيل اليقين : العناية بكلام رب العالمين ، تلاوة ، وتدبرا ، وعلما ، وعملا.

قال محمد رشيد رضا :

" وَاعْلَمْ أَنَّ قُوَّةَ الدِّينِ وَكَمَالَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا بِكَثْرَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ، مَعَ التَّدَبُّرِ بِنِيَّةِ الِاهْتِدَاءِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.

فَالْإِيمَانُ الْإِذْعَانِيُّ الصَّحِيحُ : يَزْدَادُ وَيَقْوَى وَيَنْمَى ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَتَرْكِ الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ  بِقَدْرِ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَيَنْقُصُ وَيَضْعُفُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ مَنْ تَرَكَ تَدَبُّرَهُ، وَمَا آمَنَ أَكْثَرُ الْعَرَبِ إِلَّا بِسَمَاعِهِ وَفَهْمِهِ، وَلَا فَتَحُوا الْأَقْطَارَ، وَمَصَّرُوا الْأَمْصَارَ، وَاتَّسَعَ عُمْرَانُهُمْ، وَعَظُمَ سُلْطَانُهُمْ، إِلَّا بِتَأْثِيرِ هِدَايَتِه " انتهى من "تفسير المنار" (9/463) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب