الحمد لله.
أولا :
آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله عز وجل ، وذلك لما رواه مسلم في "صحيحه" (810) عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟) قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ( يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ ) قَالَ: قُلْتُ: اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.البقرة/255. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي ، وَقَالَ: (وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ).
ثانيا :
الحديث الذي أورده السائل في استحباب قراءة آية الكرسي دبر صلاة العصر : لحديث لا أصل له ، ولم نقف له على سند ، بعد البحث ، ولم يذكره أحد من أهل العلم قط ، فيما نعلم .
ثالثا :
وردت عدة أحاديث في فضل قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة ، إلا أن هذه الأحاديث جميعها في إسنادها مقال ، ومنها الموضوع المكذوب .
ومن أحسنها إسنادا ، ما أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (100) ، والطبراني في "الدعاء" (675) ، والروياني في "مسنده" (1268) ، من طريق مُحَمَّد بن حمير ، قَالَ : حَدثنَا مُحَمَّد بن زِيَاد ، عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم :( من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ فِي دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة لم يمنعهُ من دُخُول الْجنَّة إِلَّا أَن يَمُوت ) .
والحديث مختلف في صحته ، فمن أهل العلم من يقويه ، ومن أهل العلم من يضعفه ، وبالغ ابن الجوزي فذكره في "الموضوعات" (1/244) ، ولم يصب في ذلك .
والحديث مداره على محمد بن حمير .
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (9/235) :" وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ، وَدُحَيْمٌ ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ ، وَبَقِيَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ ، وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ .
قُلْتُ ( أي الذهبي ): مَا هُوَ بِذَاكَ الحُجَّةِ ، حَدِيْثُهُ يُعَدُّ فِي الحِسَانِ ". انتهى
وللحديث طرق أخرى تقويه ، كما قال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (972) .
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/294) :" وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ أبي أمامة ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَفِيهَا كُلِّهَا ضَعْفٌ .
وَلَكِنْ إِذَا انْضَمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ مَعَ تَبَايُنِ طُرُقِهَا وَاخْتِلَافِ مَخَارِجِهَا ، دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَهُ أَصْلٌ وَلَيْسَ بِمَوْضُوعٍ .
وَبَلَغَنِي عَنْ شَيْخِنَا أبي العباس ابن تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا تَرَكْتُهَا عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ ". انتهى
والحاصل :
أنه لم يرد في السنة بإسناد صحيح ولا ضعيف استحباب قراءة آية الكرسي عشر مرات دبر صلاة العصر .
وإنما الوارد هو استحباب قراءتها مرة واحدة دبر كل صلاة .
والله أعلم .
تعليق