الحمد لله.
أولا:
إذا كان الزوج مفقودا أي انقطع خبره ولا يعلم مكانه، فعلى الزوجة أن ترجع للقاضي الشرعي، فيضرب مدة معينة يغلب على الظن موته بعدها، بحسب اجتهاده، فإذا مضت المدة ولم يعثر عليه، حَكم بموته، واعتدت امرأته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، وحلّت بذلك للأزواج.
وأما إذا كانت الزوجة تعلم مكانه ، وهجرها هذه المدة فإن حكمه حكم المؤلي، فتراسله المرأة أو وليها ، أو ترفع الأمر للحاكم ؛ ويُجبر على أن يعود إليها ، فإن أبى : طلق عليه الحاكم تطليقة، أو فسخ النكاح.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (178188).
ثانيا:
نفقة امرأة الغائب والمفقود واجبة في مال زوجها أثناء الغياب ، وفي مدة الانتظار التي يفرضها القاضي للمفقود .
فإن كان للزوج مال تحت يد الزوجة : أخذت منه نفقتها بالمعروف .
وإن لم يكن ماله تحت يدها، أو لم يكن له مال : فإنها ترفع أمرها للقاضي .
وفي هذا خلاف بين الفقهاء، والأظهر: أن القاضي يفرض لها نفقة من مال الزوج إن وجد، أو يأذن لها في الاستدانة، فتستدين لتنفق على نفسها، فإن تبين موته: فما أنفقته بعد موته يعتبر من ميراثها ، لأنه لا نفقة لها عليه بعد موته.
وفي الموسوعة الفقهية (41/ 50): " اختلف الفقهاء في فرض النفقة على الزوج ، أو ما في حكمه ، إن كان غائبا.
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن نفقة الزوجة تجب على زوجها الغائب في ماله، حاضرا كان المال أو غائبا، وسواء أكان ذلك بفرض القاضي للنفقة إذا طلبت الزوجة، أم بغير ذلك؛ لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لهند امرأة أبي سفيان: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف، وكان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فرضا للنفقة على أبي سفيان، وكان غائبا.
وللحنفية قولان في فرض النفقة على الغائب:
الأول: هو أن يفرض القاضي للزوجة نفقة على زوجها الغائب، بشرط طلبها، لأن المانع من الزوج، فلا تمنع النفقة عن الزوجة، وبه قال أبو حنيفة أولا، وهو قول النخعي ؛ لحديث هند السابق.
والقول الثاني: لا يفرض لها النفقة ، ولو طلبت ، ولو كان القاضي عالما بالزوجية ؛ لأن الفرض من القاضي على الغائب قضاء عليه، وقد صح عند الحنفية أن القضاء على الغائب لا يجوز إلا أن يكون عنه خصم حاضر، ولم يوجد، وهو قول أبي حنيفة الآخر، وهو قول شريح ...
هذا كله إذا كان الزوج غائبا ، ولم يكن له مال حاضر .
فإذا كان له مال حاضر: فإما أن يكون في يد الزوجة أو في يد غيرها.
فإذا كان المال في يدها ، وهو من جنس النفقة : فقد ذهب الحنفية إلى أن لها أن تنفق على نفسها بغير أمر القاضي ، لحديث هند امرأة أبي سفيان السابق .
وإن كان المال في يد غيرها ، وهو من جنس النفقة : فقد اختلف الحنفية في أخذ الزوجة نفقتها من مال زوجها الذي بيد الآخرين ، سواء أكان المال وديعة أم دينا ، بأمر القاضي ؛ على قولين...
قال ابن نجيم: ولو لم يكن له مال أصلا ، فطلبت من القاضي فرض النفقة : فعندنا لا يُسمع البينة لأنه قضاء على الغائب، وعند زفر يسمع القاضي البينة ، ولا يقضي بالنكاح ، ويعطيها النفقة من مال الزوج .
وإن لم يكن له مال أمرها القاضي بالاستدانة، فإن حضر الزوج وأقر بالنكاح أمره بقضاء الدين" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: "وإذا أنفقت المرأة على نفسها من مال زوجها الغائب، ثم بان أنه قد مات قبل إنفاقها : حُسب عليها ما أنفقته من ميراثها، سواء أنفقته بنفسها، أو بأمر الحاكم.
وبهذا قال أبو العالية ومحمد بن سيرين، والشافعي، وابن المنذر، ولا أعلم عن غيرهم خلافهم؛ لأنها أنفقت ما لا تستحق.
وإن فضل لها شيء فهو لها ، وإن فضل عليها شيء، وكان لها صداق أو دين على زوجها، حسب منه، وإن لم يكن لها شيء من ذلك، كان الفضل دينا عليها، والله أعلم" انتهى من المغني (8/ 208).
والحاصل :
أنه يرجع إلى القاضي الشرعي، إذا كان الزوج مفقودا، أو كان غائبا وليس له مال تحت يد الزوجة، ليفرض لها نفقة، أو يأذن لها في الاستدانة.
ولا يحل للمرأة أن تتزوج إلا إذا طلقها القاضي، أو حكم بموت الزوج المفقود واعتدت لوفاته.
وإذا كان ذلك في دولة غير إسلامية ليس فيها قضاء شرعي ، فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي ، فيجب عرض القضية عليهم ، وهم يتولون النظر فيها ، ويكون حكمهم فيها كحكم القاضي . ثم يبقى بعد ذلك الذهاب إلى المحاكم الوضعية من أجل الحصول على الأوراق الرسمية فقط ، وليس من أجل الحصول على الحكم ، كما سبق بيانه في السؤال رقم (194467) .
والله أعلم.
تعليق