الحمد لله.
أولا:
يجب على الإنسان أن يبر والديه، وأن يصل أرحامه، من جهة أبيه وأمه على السواء، لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وهذا معلوم مستفيض في الشريعة.
والرحم نوعان : رحم مَحْرَم ، ورحم غير مَحْرَم .
وضابط الرحم المَحرَم : كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى: لم يجز لهما أن يتناكحا، كالآباء والأمهات ، والإخوة والأخوات ، والأجداد والجدات وإن علوا ، والأولاد وأولادهم وإن سفلوا ، والأعمام والعمات ، والأخوال والخالات.
والرحم غير المَحرَم : ما عدا ذلك من الأقارب ، كأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات ، لجواز التناكح بينهم.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرحم التي يجب صلتها : هي الرحم المحرم فقط ، وأما غير المَحْرَم ، فتستحب صلتها ولا تجب ، وهذا قول للحنفية ، وغير المشهور عند المالكية ، وقول أبي الخطاب من الحنابلة .
والقول الثاني في المسألة : أنه يجب صلة الرحم كلها ، لا فرق بين المحرَم وغيره ، "وهو قول للحنفية , والمشهور عند المالكية , وهو نص أحمد , وهو ما يفهم من إطلاق الشافعية , فلم يخصصها أحد منهم بالرحم المحرم" . "الموسوعة الفقهية الكويتية" (3/83) .
وينظر : "غذاء الألباب" للسفاريني (1/354) ، "بريقة محمودية" (4/153) .
وانظر: جواب السؤال رقم (72834).
ثانيا:
إذا كان الابن من زنا، فالواجب عليه أن يبر أمه، وأن يصل رحمه من جهتها، كجدته وخالته.
وأما أبوه من الزنى، فهل يجب عليه بره، وهل يجب عليه صلة الرحم التي من جهته؟
في هذا خلاف مبني على ثبوت نسب ولد الزنا إلى الزاني.
وجمهور الفقهاء على أنه لا يثبت بين ولد الزنا والزاني نسب .
وعليه : فلا يجب عليه بره؛ لأنه ليس أبا شرعا، ولا يجب صلة الرحم التي من جهته، ولا يكون بينهما توارث، ولا غير ذلك من الأحكام إلا تحريم المناكحة بين الزاني وابنته من الزنى، كما بيناه في جواب السؤال رقم (85043).
قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله : " مَسْأَلَةٌ وَوَلَدُ الزِّنَى يَرِثُ أُمَّهُ، وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَلَهَا عَلَيْهِ حَقُّ الْأُمُومِيَّةِ مِنْ: الْبِرِّ، وَالنَّفَقَةِ، وَالتَّحْرِيمِ، وَسَائِرِ حُكْمِ الْأُمَّهَاتِ -: وَلَا يَرِثُهُ الَّذِي تَخَلَّقَ مِنْ نُطْفَتِهِ، وَلَا يَرِثُهُ هُوَ، وَلَا لَهُ عَلَيْهِ حَقُّ الْأُبُوَّةِ لَا فِي بِرٍّ، وَلَا فِي نَفَقَةٍ، وَلَا فِي تَحْرِيمٍ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْهُ أَجْنَبِيٌّ وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا إلَّا فِي التَّحْرِيمِ فَقَطْ." انتهى، من "المحلى" (8/334) .
وذهب جماعة من السلف والخلف إلى أن ولد الزنا ينسب إلى الزاني بشرطين:
الأول: أن يقر به الزاني وينسبه إليه.
الثاني: ألا تكون المرأة فراشا لزوج آخر ، وادعاه ذلك الزوج أو نسبة لنفسه .
وهذا قول معتبر له أدلته، وقد رجحه جمع من أهل التحقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن عثيمين، كما بيناه في جواب السؤال رقم (192131).
فعلى هذا القول، إذا تحقق الشرطان، نسب الولد إلى الزاني، وترتبت الأحكام على ذلك، من وجوب البر، وصلة الرحم، والتوارث، وغير ذلك.
والله أعلم.
تعليق