الحمد لله.
أولا:
ما قامت به زوجتك من الردة أمر عظيم خطير، وهو أثر من آثار التساهل في العلاقة مع غير المسلمين، أو التساهل في المحاورات الدينية التي لا تنبغي إلا للمتخصص المتمكن من رد الشبهات ودفع الغوايات .
ونحمد الله تعالى أن من عليها وهداها ، وردها إلى الإسلام، ونوصيها ألا تغامر بمناقشة أحد في أمر الدين إلا بعد التمكن والتأهل لذلك .
ونوصيك أنت أن تُعجّل أنت بالدخول بها ، وضمها إليك ، لتكون تحت رعايتك ونصحك .
كما نوصي بالإكثار من تلاوة القرآن، وفعل النوافل من الصلاة والصيام والصدقة، وسؤال الله تعالى التثبيت، والبحث عن الرفقة الصالحة التي تذكّر بالخير وتعين عليه، وعدم اتخاذ الكافرين أولياء وأصدقاء، كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51
ثانيا:
إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول: انفسخ النكاح في الحال، عند جمهور الفقهاء.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه لا فرق بين الردة قبل الدخول وبعده .
وأنه إن عاد المرتد إلى الإسلام، ورغب الزوجان في استمرار الزوجية : فهما على نكاحهما.
فعلى قول الجمهور يلزمك تجديد العقد، ويمكنك أن تجعل الأمر في أضيق نطاق فلا تخبر غير وليها ، وشاهدين مسلمين تثق فيهما .
كما يمكن أن تتعلل بأي أمر لتجديد العقد، ككون أحد الشاهدين لم يكن عدلا، وأن من الفقهاء من يشترط العدالة في الشاهدين، كما هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة ، فلا يصح النكاح مع شهادة فاسقين.
وينظر : الشرح الصغير مع حاشية الصاوي 1/348 ، تحفة المحتاج 7/228 ، الإنصاف 8/102.
ولذلك ، فأنت تريد تجديد العقد بشهادة عدلين، ويمكن أن يتم ذلك عبر برامج المحادثة المرئية، فيكون معك الشاهدان، وتطلب من الولي أن يتلفظ بالإيجاب، فيقول: زوجتك بنتي أو أختي فلانة، وتقول أنت: قبلت، فيتم بذلك العقد.
فإن شق ذلك ، وخشيت ترتب مفسدة من ذلك : فلك الأخذ بقول شيخ الإسلام، فلا تحتاجان إلى عقد جديد، بل أنتما على نكاحكما ما دمتما ترغبان في الاستمرار.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مبينا قوة ما ذهب إليه شيخ الإسلام: " بل إن شيخ الإسلام لا يفرق بين ما قبل الدخول وبعده؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ما دام أنه معقود على وجه صحيح، وسبب الصحة باقٍ، ولم يحفظ عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه فرق بين الرجل وامرأته إذا سبقها بالإسلام، أو سبقته به .
وقال أيضاً: لدينا دليل على ثبوت ذلك، فهذا أبو العاص بن الربيع ـ رضي الله عنه ـ زوج زينب بنت الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، أسلم متأخراً عن إسلامها؛ لأنها أسلمت في أول البعثة، وما أسلم هو إلا بعد الحديبية، حين أنزل الله تعالى: فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10] .
فبين إسلامه وإسلامها نحو ثماني عشرة سنة، وردها النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنكاح الأول ، ولم يجدد نكاحاً . وهذا دليل واضح جداً .
وكذلك صفوان بن أمية ـ رضي الله عنه ـ أسلمت زوجته قبل أن يسلم بشهر؛ لأنها أسلمت عام الفتح ، وهو ما أسلم إلا بعد غزوة الطائف، وأقره النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ على نكاحه . ويقول شيخ الإسلام: القياس إما أن ينفسخ النكاح بمجرد اختلاف الدين، كما قاله ابن حزم؛ لأنه وجد سبب الفرقة إذا قلنا: إن الإسلام سبب للفرقة، وإما أن يبقى الأمر على ظاهر ما جاء في السنة، وهو أنه لا انفساخ، لكن ما دامت في العدة : فهي ممنوعة من أن تتزوج من أجل بقاء حق الزوج الأول . وبعد انقضاء العدة إذا شاءت أن تتزوج تزوجت، وإن شاءت أن تنتظر لعل زوجها يسلم ، فلا حرج.
وهذا الذي قاله هو الذي تشهد له الأدلة، ولأنه القياس حقيقة" انتهى من "الشرح الممتع" (12/ 246).
ثالثا:
هذه الردة لا تعتبر طلاقا، في قول الجمهور وغيرهم، وإنما هي عند الجمهور فسخ للنكاح، فإذا عادا بعقد جديد، لم يحسب عليهما –بهذه الردة- شيء من الطلاق.
رابعا:
اعلم أن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب، فهو الغفور الرحيم التواب الكريم، يقبل توبة عباده، ويحب التائبين، ويفرح بتوبتهم، ويبدل سيئاتهم حسنات، فما على زوجتك إلا أن تتشهد شهادة الحق، وتبرأ من النصرانية ومن كل دين يخالف الإسلام، وتغتسل، وتلتزم بأحكام الإسلام، فتؤدي الصلاة ، وما افترض الله عليها .
وينبغي عليها أن تكثر من النوافل كما قدمنا، فإنها من أسباب محبة الله للعبد، وعوامل تثبيته على الحق، كما روى البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ : (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).
نسأل الله لنا ولكم الثبات والهدى والرشاد.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (91408) ورقم (220618).
والله أعلم.
تعليق