الحمد لله.
إذا أذن الأب لأولاده أو بعضهم في البناء فوق بيته ، أو ساعدهم في هذا البناء ، أو بنى لهم شققا وملكهم إياها .. فكل ذلك يعتبر هبة من الأب لأولاده ، ويجب عليه العدل فيها .
ودليل وجوب العدل في الهبة: حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما : أن أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا ) فَقَالَ : لَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَارْجِعْهُ ) أخرجه البخاري (2586) ، ومسلم (1623) .
وفي لفظ لمسلم (1623) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ ) قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ : ( أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ ) قَالَ : لَا . قَالَ : ( فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ) .
نحلت : أي : أعطيت ، من النِّحلة ، وهي العطاء .
والعدل في الهبة: أن يعطى الذكر ضعف الأنثى.
فينظر كم أعطى لكل ذكر، ويعطي الأنثى نصفه، أو يسترد من المفضَّلين ما زادوا به عن إخوتهم.
ولا حرج لو حصل شيء من التفضيل برضى الجميع، كما لو كانت المساعدات متفاوتة، أو بنى لأحدهم شقة كاملة، وساعد الآخر مساعدة فقط.
فإن لم يحصل الرضى، وجب العدل.
ولم تذكر مقدار المساعدة التي ساعد بها الأب ابنيه (الأكبر والثاني) في بناء شقة كلٍّ منهما .
فإذا كانت هذه المساعدة تساوي قيمة الأرض التي حصلت عليها البنت ، فقد أخذ كل واحد منهما ضعف البنت ، وبهذا يتحقق العدل بين هؤلاء الأولاد الثلاثة (الابن الأكبر والأصغر والبنت ) .
ويبقى النظر في الطابق الذي يسكنه الأب مع زوجته وابنه الأصغر، فمن المعلوم أن الابن لن يستقل بهذا الطابق في الوقت الحالي ، وقد يضطر للإقامة فيه مع والديه بعد زواجه ، ولاشك أن من أخذ شقة مستقلة سيكون أحسن حالا من الابن الأصغر الذي يسكن مع والديه ، فنرى أن بالإمكان التراضي على أن يكون ما أنفقه الاب على هذه الشقة (الطابق الثاني) أكثر مما أعطى سائر أولاده ، يعوض النقص الحاصل للابن الأصغر بالسكن مع والديه .
فنرى أن يتراضى الأولاد على الوضع الحالي ويكون لكل منهم شقة .
وينبغي للأب كما كتب شقة باسم ابنته ، أن يكتب لسائر أولاده شققهم ، وبذلك يتحقق العدل – بقدر الإمكان – بين الأولاد .
وفي هذه الحالة إذا تم بناء طوابق أخرى فالأولاد جميعا يشتركون فيها للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا يجوز تخصيصها للذكور .
وهذا .. إذا كانت مساعدة الأب لابنيه في البناء بقية نصيب الشقة من الأرض ، أو قريبة منها .
أما إذا كانت تلك المساعدة ، متفاوتة عن قيمة الأرض تفاوتا كبيرا ، فالواجب على الأب تحقيق العدل ، بإعطاء من نقص عن حقه ، أو الأخذ ممن زاد عن حقه .
وعلى هذا ينبني حكم تخصيص الأولاد بثلاثة طوابق أخرى ، فقد يكون فيه مزيد من التفضيل على البنت فلا يجوز ، وقد يكون تعويضا لهم عما نقص من حقهم فيجوز .
والواجب على الأب أن يحرص على العدل بين أولاده ، ويطبق ذلك بقدر الإمكان ، ولا يفضل أحدا منهم على الآخر .
والواجب على الأولاد أن يتقوا الله تعالى ، ولا يتنافسوا على هذا الحطام الزائل فيكون سببا لعقوق الوالدين وقطيعة الرحم ، ولأن يتراضى الأولاد والأب فيما بينهم ، ويتسامح بعضهم ، ولو أخذ أقل من حقه ، وتسود روح المحبة والألفة وصلة الرحم بين الأسرة = خير لهم جميعا من الخصومات والمنازعات وقطيعة الرحم ، وعما قريب سيرحل كل إنسان عن هذه الدنيا ، ويقف بين يدي ربه للحساب وحيدا فريدا ، بلا مال ولا عقار ولا شيء ، ولا ينجيه في تلك اللحظة إلا رحمة الله عز وجل ، ثم ما قدمه من عمل صالح .
نسأل الله تعالى أن يوفقكم لكل خير .
والله أعلم .
تعليق