الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حول صحة وجود نبي اسمه "أشعياء"

270208

تاريخ النشر : 17-09-2017

المشاهدات : 64055

السؤال

هل هناك نبي من عند الله اسمه أشعياء ؟ أم هذا من محرفات الكتب المقدسة ؟

الجواب

الحمد لله.

فإن أنبياء الله ورسله لا يعلم أسماءهم جميعا إلا الله تبارك وتعالى ، ومنهم من ذكر الله اسمه في القرآن ، ومنهم من لم يذكر الله اسمه ، كما في قوله سبحانه : ( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) النساء/164 .

وأنبياء بني إسرائيل كُثر ، وأحيانا يكون في الزمان الواحد أكثر من نبي .

وأما ما ذكره السائل من هل هناك نبي يدعى " أشعياء " ؟

فهذا الاسم ورد ذكره كثيرا في كتب التفسير مرة باسم " أشعياء " ، ومرة باسم " أشعيا " ، ومرة باسم " شعياء " ، ومرة باسم " شعيا " . وفي كل مرة يذكره المفسرون على أنه من أنبياء بني إسرائيل .

بل نقل كثير منهم أنه من الأنبياء الذين قتلهم بنو إسرائيل ، كما في "تفسير الطبري" (17/362) نقلا عن محمد بن إسحاق ، وتفسير ابن عطية "المحرر الوجيز" (3/439) ، و "تفسير السمعاني" (3/218) ، و "التحرير والتنوير" (1/530) لابن عاشور ، وغيرهم .

ومجرد الورود لا يدل على الثبوت ، وكتب التفسير يكثر فيها النقل عن بني إسرائيل ، ولذا فالذي ينبغي في مثل ذلك التوقف ، دون تصديق أو تكذيب ، لما يلي :

أولا : لم يرد في القرآن ولا في السنة النبوية ذكر لنبي بهذا الاسم مطلقا .

ثانيا : ورد في بعض الآثار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ذكر لنبي بهذا الاسم ، ولا يصح عنه .

ومن ذلك ما أخرجه الخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" (1717) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (8/32) ، من طريق جويبر بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس في قوله تعالى :"ولقد آتينا موسى الكتاب ، يعني به التوراة ، جملة واحدة مفصلة محكمة ، وقفينا من بعده بالرسل ؛ يعني رسولا يدعي إشمويل بن نابل ، ورسولا يدعى ميشآيل ، ورسولا يدعى شعيا بن أمصيا ، ورسولا يدعى حزقيل ، ورسولا يدعى أرميا بن حلقيا وهو الخضر، ورسولا يدعى داود بن إيشا وهو أبو سليمان ، وهو من المرسلين ورأس العابدين ، ورسولا مرسلا يدعى المسيح عيسى بن مريم ، فهؤلاء الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم للأمة بعد موسى بن عمران ، وأخذ عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدوا إلى أمتهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم وصفة أمته ".

وإسناده ضعيف جداً ، لما يلي :

1-      فيه الضحاك بن مزاحم ، حسن الحديث كما قال الذهبي في "ديوان الضعفاء" (1984) ، إلا أنه لم يلق ابن عباس ، وحديثه عنه منقطع ، كان شعبة ويونس بن عبيد والإمام أحمد ينكرون أن يكون لقي ابن عباس ، نقل ذلك عنهم العلائي في "جامع التحصيل" (304).

2-      فيه جويبر بن سعيد ، متروك الحديث ، قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (2/124) :" قال النسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني متروك وقال النسائي في موضع آخر ليس بثقة ... وقال الحاكم أبو أحمد : ذاهب الحديث . وقال الحاكم أبو عبد الله : أنا أبرأ إلى الله من عهدته ". اهـ .

     ثم ولو صح سنده لم يكن – بمجرده – حجة ؛ لأن عبد الله بن عباس كان يأخذ عن كعب الأحبار، كما قال ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص182) ، فيحتمل أن يكون ذلك مما تلقاه عنهم .

3- قد ورد ذكره عن وهب بن منبه ، كما عند  ابن أبي حاتم في تفسيره (14758) أنه قال :" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ أَشْعِيَا ، أَنْ قُمْ فِي قَوْمِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنِّي مُطْلِقٌ لِسَانَكَ بِوَحْيٍ ... " . فذكر حديثا مطولا ، وفيه وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، والبشارة بمبعثه .

ووهب بن منبه من التابعين ، وكان ممن ينقل عن أهل الكتاب ، قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/334) :" وكان صدوقاً عالماً ، قد قرأ كتب الأولين ، وعرف قصص الأنبياء عليهم السلام ، وكان يُشبَّه بكعب الأحبار فِي زمانه ، وكلاهما تابعيّ ". اهـ

وأشعياء مشهور ذكره عند أهل الكتاب كنبي من أنبياء بني إسرائيل ، بل له سفر باسمه فيما يدعى بالعهد القديم يسمى " سفر أشعياء " .

والحاصل :

أنه ليس عندنا دليل على "إثبات" نبوة "أشعياء" ، أو نفيها .

ووروده في كتب التفسير عندنا مأخوذ عن بني إسرائيل ، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن بالتحديث عن بني إسرائيل ، دون تصديق أو تكذيب ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم :" بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ . أخرجه البخاري (3461) ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم :" إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ ". أخرجه أبو داود في "سننه" (3644) ، وقد حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2800) .

قال الخطابي في "معالم السنن" (4/187) :" ليس معناه إباحة الكذب في أخبار بني إسرائيل ورفع الحرج عمن نقل عنهم الكذب ، ولكن معناه الرخصة في الحديث عنهم ، على معنى البلاغ، وإن لم يتحقق صحة ذلك بنقل الإسناد ، وذلك لأنه أمر قد تعذر في اخبارهم لبعد المسافة ، وطول المدة ، ووقوع الفترة بين زماني النبوة ". اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (13/366) :" وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الإسرائيلية تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِقَادِ ؛ فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا : مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ : فَذَاكَ صَحِيحٌ. و"الثَّانِي" : مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ ، بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يُخَالِفُهُ. و" الثَّالِثُ ": مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ، لَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ؛ فَلَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَذِّبُهُ ، وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ ". اهـ

والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب