الحمد لله.
لعلك تقصد ما ورد في قصة مقتل يحيى عليه السلام؛ والذي جاء في قول ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وذكروا في قتله أسبابا كثيرة ؛ من أشهرها أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه، أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك، فبقي في نفسها منه، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها، استوهبت منه دم يحيى، فوهبه لها، فبعثت إليه من قتله، وجاء برأسه ودمه في طست إلى عندها، فيقال: إنها هلكت من فورها وساعتها" انتهى. "البداية والنهاية" (2 /411).
وقد رواه الطبري " عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بعث عيسى بن مريم يحيى بن زكرياء، في اثني عشر من الحواريين يعلمون الناس، قال: فكان فيما نهوهم عنه نكاح ابنة الأخ، قال: وكان لملكهم ابنة أخ تعجبه، يريد أن يتزوجها، وكانت لها كل يوم حاجة يقضيها، فلما بلغ ذلك أمها قالت لها: إذا دخلت على الملك، فسألك حاجتك فقولي: حاجتي أن تذبح لي يحيى بن زكرياء، فلما دخلت عليه سألها حاجتها، قالت: حاجتي أن تذبح لي يحيى بن زكرياء، فقال: سليني غير هذا، قالت: ما أسألك إلا هذا، قال: فلما أبت عليه دعا يحيى، ودعا بطست فذبحه " انتهى. "تاريخ الطبري" (1/586).
والذي يغلب على الظن: أن ابن عباس رضي الله عنهما إنما تلقى ذلك عن أهل الكتاب.
" من أصح الروايات عن عبد الله بن عباس: رواية سعيد بن جبير وكان مكيّا مقدما، فهذا علي بن المديني يقدمه على سائر أصحاب عبد الله بن عباس، وهو أكثر الرواة عنه رواية، وأكثر التابعين من المكيين عناية بالإسرائيليات، وما يروى عن ابن عباس من هذا النوع فأكثره من طريقه، ويروي عن ابن عباس في أمور الغيبيات من أخبار السابقين وأحوال القيامة ما يحتمل أخذه من بني إسرائيل" انتهى. "التقرير في أسانيد التفسير" (ص 51).
وروى الطبري في تاريخه (1 / 586 – 587) قصة أخرى بمعناها رواها من طريق السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمذاني، عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره، عن هذين الرجلين: عبد الله بن مسعود وابن عباس، ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب، التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) رواه البخاري عن عبد الله " انتهى. "تفسير ابن كثير" (1/8).
ومع غلبة الظن، أو حتى مجرد احتمال كون هذا الخبر من الإسرائيليات؛ فحكم الإسرائيليات في الشرع ألا نصدقها ولا نكذبها، إذا لم يدل الوحي على صدقها، ولا على كذبها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا: ( آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) الآيَةَ ) رواه البخاري (4485) .
وعن ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ ) رواه أبوداود (3644)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/712).
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
"وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن لأمته أن تحدث عن بني إسرائيل، ونهاهم عن تصديقهم وتكذيبهم، خوف أن يصدقوا بباطل، أو يكذبوا بحق.
ومن المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات ؛ في واحدة منها يجب تصديقه ، وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه ، وفي واحدة يجب تكذيبه ، وهي ما إذا دل القرآن أو السنة أيضا على كذبه ، وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق ، كما في الحديث المشار إليه آنفا : وهي ما إذا لم يثبت في كتاب ولا سنة صدقه ولا كذبه " انتهى . "أضواء البيان" (4 / 238) .
فهذه القصة لا حرج في روايتها ، من غير جزم بصدقها أو كذبها .
والله أعلم.
تعليق