الحمد لله.
الحديث المذكور : ذكره الصفوري في "نزهة المجالس" (1/105) فقال : " قال نجم الدين النسفي في تفسيره قالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله أنت أحسن من يوسف أم هو أحسن منك ؟
فقال هو أحسن مني خلقا ، وأنا أحسن منه خلقا .
أي بضم الخاء .
فنزل جبريل وقال : يا محمد ، أخبرني الكريم أن نورك ونور يوسف اقترنا في صلب آدم فصار الحسن والجمال ليوسف ، والصلوات المكتوبة والزكاة المفروضة والسيادة والسعادة والزهد والقناعة والرفعة والشفاء لك يا محمد ". انتهى .
وتفسير نجم الدين النسفي لا يزال مخطوطا ، وهو تفسير غير مسند .
والحديث المذكور تبدو عليه أمارات الوضع ، ولم نقف عليه مسندا في كتاب .
ومعلوم أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء قاطبة ، وكان من أجمل الناس وأحسنهم .
قال البراء بن عازب رضي الله عنه :" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ، وَلاَ بِالقَصِيرِ . أخرجه البخاري (3549) ، ومسلم (2337) ،
وفي "صحيح مسلم" (162) في حديث المعراج الطويل من رواية أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه :" ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ، فَفُتِحَ لَنَا ، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا هُوَ قَدِ اُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ ".
وقد اختلف أهل العلم في المفاضلة بين نبينا صلى الله عليه وسلم ونبي الله يوسف عليه السلام ، من حيث الجمال وحسن الصورة .
فقيل : إن يوسف عليه السلام ، فضل بشطر الحسن ، على جميع من عداه ، حتى نبينا صلى الله عليه وسلم .
قال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (2/496) :" قيل: إنه لم يعط أحد من الحسن أكثر مما أعطي يوسف ، لأنه في مقام إفضاله تعالى على يوسف ؛ فالقائل أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أعطي أكثر مما أعطي يوسف من الحسن يحتاج إلى دليل ". انتهى .
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . قال :
" ويوسف الصديق، وإن كان أجمل من غيره من الأنبياء، وفي الصحيح: " أنه أعطي شطر الحسن ، فلم يكن بذلك أفضل من غيره، بل غيره أفضل منه، كإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمد، - صلوات الله عليهم أجمعين - .
ويوسف، وإن كانت صورته أجمل، فإن إيمان هؤلاء وأعمالهم كانت أفضل من إيمانه وعمله، وهؤلاء أوذوا على نفس الإيمان والدعوة إلى الله، فكان الذين عادوهم معادين لله ورسوله، وكان صبرهم صبرا على توحيد الله وعبادته وطاعته، وهكذا سائر قصص الأنبياء التي في القرآن... " انتهى، من "منهاج السنة النبوية" (5/318) .
وقيل : بل تفضيل يوسف عليه السلام ، إنما هو على من عدا النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن حجر في "الفتح" (7/210) :" قوله فلما خلصت ، إذا يوسف - زاد مسلم في رواية ثابت عن أنس - فإذا هو قد أعطي شطر الحسن .
وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي وأبي هريرة ، عند ابن عائذ والطبراني : فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله ، قد فضل الناس بالحسن ، كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب .
وهذا ظاهره أن يوسف عليه السلام كان أحسن من جميع الناس .
لكن روى الترمذي من حديث أنس ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت ، وكان نبيكم أحسنهم وجها ، وأحسنهم صوتا .
فعلى هذا ؛ فيحمل حديث المعراج على : أن المراد غير النبي صلى الله عليه و سلم .
ويؤيده قول من قال : إن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه .
وأما حديث الباب : فقد حمله ابن المنير على أن المراد أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه و سلم . والله اعلم". انتهى .
وقال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (3/206) :" قول النبي صلى الله عليه وسلم عن يوسف "أوتى شطر الحسن " . قالت طائفة : المراد منه أن يوسف أوتي شطر الحسن الذي أوتيه محمد ، فالنبي صلى الله عليه وسلم بلغ الغاية في الحسن ، ويوسف بلغ شطر تلك الغاية .
قالوا : ويحقق ذلك ، ما رواه الترمذي من حديث قتادة عن أنس قال: "ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت ، وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا".
والظاهر : أن معناه أن يوسف عليه السلام اختص على الناس بشطر الحسن ، واشترك الناس كلهم في شطره ؛ فانفرد عنهم بشطره وحده . وهذا ظاهر اللفظ ؛ فلماذا يعدل عنه ؟
واللام في الحسن : للجنس ، لا للحسن المعين ، والمعهود المختص بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وما أدري ما الذي حملهم علي العدول عن هذا إلى ما ذكروه ؟!
وحديث أنس : لا ينافى هذا ؛ بل يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الأنبياء وجها ، وأحسنهم صوتا .
ولا يلزم من كونه أحسنهم وجها ، ألا يكون يوسف اختص عن الناس بشطر الحسن ، واشتركوا هم في الشطر الآخر ، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم شارك يوسف فيما اختص به من الشطر ، وزاد عليه بحسن آخر من الشطر الثاني والله أعلم ". انتهى .
وقد قيل في حديث "شطر الحسن" : غير ذلك .
وينظر : "كشف المشكل" لابن الجوزي (3/213) ، "مرقاة المفاتيح" (9/3766) ، "البداية والنهاية" لابن كثير (1/228، 472) .
والحديث الذي أورده ابن القيم وابن حجر بقوله :" لكن روى الترمذي من حديث أنس ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا " :
رواه الترمذي في "الشمائل" (321) من طريق نوح بن قيس الحداني عن حسام بن مصك عن قتادة قال :" ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم صلى الله عليه وسلم حسن الوجه حسن الصوت وكان لا يرجع ".
وإسناده تالف ، فيه حسام بن مصك متروك الحديث . انظر "تهذيب الكمال" (6/7) .
ثم هو من قول قتادة كما جاء في الرواية ، وكذا رجح الدارقطني في "العلل" (2570) .
والله أعلم
تعليق