الحمد لله.
من نذر إن تزوج من فلانة أن يذبح خروفا يوزعه على الفقراء، فحصل مقصوده وهو الزواج من فلانة، لزمه الوفاء بنذره؛ لأن نذر الطاعة يلزم الوفاء به، سواء كان معلقا أو منجزا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6202).
ولا يجوز العدول عن ذبح الخروف إلى شراء اللحم بحجة أنه أيسر أو أنفع للفقراء؛ لأن الذبح عبادة مقصودة ، وقربة إلى الله تعالى، فإذا نُذرت : وجب الإتيان بها، وفي شراء اللحم تفويت لهذه العبادة.
وليس هذا من باب تحويل النذر إلى الأفضل؛ لأنه يترتب عليه تفويت عبادة الذبح، كما سبق . واللحم الذي تريد شراءه وتوزيعه : ليس ذبحا ، ولا وفاء بالنذر ؛ بل هو صدقة بهذا اللحم ، أو بثمنه ، بدلا من الذبح .
وقد نص الفقهاء على أن ذبح الأضحية والعقيقة أفضل من التصدق بثمنها ، مع أن ذبحهما مندوب ، وليس واجبا ؛ فإذا كان نذرا : تعين ذبحها ، وفاء بالنذر الواجب .
قال ابن القيم رحمه الله : " الذّبْح فِي مَوْضِعه : أفضل من الصَّدَقَة بِثمنِهِ ، وَلَو زَاد ؛ كالهدايا وَالْأَضَاحِي ؛ فَإِن نفس الذّبْح وإراقة الدَّم : مَقْصُود ؛ فَإِنَّهُ عبَادَة مقرونة بِالصَّلَاةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فصل لِرَبِّك وانحر ، وَقَالَ : قل إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين الْأَنْعَام 162 . فَفِي كل مِلَّة : صَلَاة ، ونسيكة ، لَا يقوم غَيرُهمَا مقامهما .
وَلِهَذَا لَو تصدق عَن دم الْمُتْعَة وَالْقرَان ، بأضعاف أَضْعَاف الْقيمَة : لم يقم مقَامه ؛ وَكَذَلِكَ الْأُضْحِية . وَالله أعلم " انتهى، من "تحفة المودود" (65) .
وقال البهوتي رحمه الله : " (وَلَيْسَتْ) الْأُضْحِيَّةُ (وَاجِبَةٌ) لِمَا سَبَقَ (إلَّا أَنْ يَنْذِرَهَا) فَتَجِبُ بِالنَّذْرِ لِحَدِيثِ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ (وَكَانَتْ) الْأُضْحِيَّةُ (وَاجِبَةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ (وَذَبْحُهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ (وَلَوْ عَنْ مَيِّتٍ) وَيُفْعَلُ بِهَا كَعَنْ حَيٍّ.
(وَذَبْحُ الْعَقِيقَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا) ، وَكَذَا الْهَدْيُ ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي تُحْفَةِ الْوَدُودِ ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى ، وَالْخُلَفَاءُ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ ، لَعَدَلُوا إلَيْهَا ... " انتهى، من "كشاف القناع" (3/21) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قوله: وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها.
فلو قال شخص: أنا عندي خمسمائة ريال، هل الأفضل أن أتصدق بها أو أن أضحي بها؟
قلنا: الأفضل أن تضحي بها.
فإن قال: لو اشتريت بها لحماً كثيراً أكثر من قيمة الشاة أربع مرات، أو خمس مرات، فهل هذا أفضل أو أن أضحي؟
قلنا: الأفضل أن تضحي، فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، وأفضل من شراء لحم بقدرها أو أكثر ليتصدق به؛ وذلك لأن المقصود الأهم في الأضحية هو التقرب إلى الله ـ تعالى ـ بذبحها لقول الله تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37]، كما أن عتق العبد أفضل من الصدقة بثمنه... " انتهى، من "الشرح الممتع" (7/481) .
لكن لو نذر الإنسان أن يذبح خروفا، جاز له العدول إلى ذبح بدنة أو بقرة ؛ لأنها أفضل وأنفع، ويكون ذلك من باب تغيير النذر إلى الأفضل ؛ وهو جائز .
وذلك لما روى أحمد (14919) عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: (صَلِّ هَاهُنَا )، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: ( صَلِّ هَاهُنَا )، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: ( شَأْنَكَ إِذًا).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " النبي صلى الله عليه وسلم أجاز تحويل النذر إلى ما هو أفضل مع وجوب الوفاء به؛ فالرجل الذي جاء إليه وقال: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، فقال صلى الله عليه وسلم: (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال: (صل ها هنا) فأعاد الثالثة فقال صلى الله عليه وسلم: (شأنك إذاً)" انتهى من "تفسير القرآن للعثيمين" (4/ 256).
وينظر جواب السؤال رقم (21350).
والله أعلم.
تعليق