الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

إذا دخل الصائم المسجد وقت الأذان، فهل يشرب قائما أم يؤخر الفطور؟

274557

تاريخ النشر : 28-08-2024

المشاهدات : 866

السؤال

دخلت إلی المسجد أثناء الأذان وأنا صائم، فهل أصلي تحية المسجد؛ حتی أستطيع الشرب جالسا، أم اشرب قائما؛ لأدرك فضيلة تعجيل الفطر؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

يستحب تعجيل الفطر؛ لما روى البخاري (1957)، ومسلم (1098) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ  .

وروى أحمد (9810)، وأبو داود (2353) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ، لِأَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ  وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".

والتعجيل يكون بتحقق غروب الشمس، أي مع أول كلمة في الأذان إذا كان المؤذن يؤذن في الوقت.

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (7/208): " فيه الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس ومعناه لا يزال أمر الأمة منتظما وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة، وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه" انتهى.

وقال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/331): " (يسن تعجيل الإفطار إذا تحقق الغروب) لحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر متفق عليه" انتهى.

ثانيا:

يجوز الشرب قائما، لكنه خلاف الأولى.

ودل على جواز الشرب قائما أحاديث، منها:

ما رواه البخاري (1637)، مسلم (2027) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: "سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ".

وروى البخاري (5615) عن عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أنه شَرِبَ قَائِمًا ثم قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ".

وروى أحمد (795):" أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرِبَ قَائِمًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ فَقَالَ: مَا تَنْظُرُونَ! إِنْ أَشْرَبْ قَائِمًا فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَائِمًا، وَإِنْ أَشْرَبْ قَاعِدًا فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَاعِدًا".

وحسنه شعيب في تحقيق المسند.

وروى الترمذي (1881) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: "كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ" وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

وإنما قلنا: إنه خلاف الأولى؛ لورود النهي عنه، فقد روى مسلم (2024) (2025) عَنْ أَنَسٍ وأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ (في لفظ: نَهَى) عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا".

وجمع العلماء بين هذه الأحاديث بأن النهي ليس للتحريم، وإنما هو محمول على كراهة التنزيه أو خلاف الأولى.

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم "(13/ 195): " وليس في هذه الأحاديث بحمد الله تعالى إشكال، ولا فيها ضعف، بل كلها صحيحة، والصواب فيها أن النهي فيها محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما فبيان للجواز، فلا إشكال ولا تعارض، وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه.

وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط غلطا فاحشا، وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بين الأحاديث لو ثبت التاريخ، وأنى له بذلك، والله أعلم" انتهى.

وإلى هذا نحا كثير من أهل العلم، كالخطابي وابن بطال والطبري وابن حجر.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (10/84): " وسلك آخرون في الجمع حمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه، وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين، وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض، وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيرا، فقال: إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب، لا على التحريم، وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزا ثم حرمه، أو كان حراما ثم جوزه، لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيانا واضحا، فلما تعارضت الأخبار بذلك جمعنا بينها بهذا. وقيل: إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به؛ فإن الشرب قاعدا أمكن وأبعد من الشرق وحصول الوجع في الكبد أو الحلق، وكل ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائما" انتهى.

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (15/ 270): " لا خلاف بين الفقهاء في أنه يندب الجلوس للأكل والشرب وأن الشرب قائما بلا عذر خلاف الأولى عند جمهور الفقهاء" انتهى.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/133): " الأصل أن يشرب الإنسان قاعدا وهو الأفضل، وله أن يشرب قائما، وقد فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمرين للدلالة على أن الأمر في ذلك واسع.

عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.

وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم: (21147)، ورقم: (143966).

ثالثا:

بناء على ما تقدم، فمن دخل المسجد وهو صائم أثناء الأذان: فإن الأفضل في حقه أن يبادر بالفطر قائما، تحقيقا لسنة التعجيل، مع ما تقرر من جواز الشرب والأكل قائما، وإن كان الأفضل خلافه، ولا يجلس حتى يصلي تحية المسجد.

ولو أنه جلس فشرب، ثم قام فصلى تحية المسجد، فلا بأس؛ لأنه جلوس خفيف، وهو قد جلس ليقوم.

ويستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من دخل المسجد يوم الجمعة وجلس، بالقيام، فدل على أن التحية لا يفوت محلها بالجلوس الخفيف.

قال البهوتي رحمه الله: " (فإن جلس قبل فعلها) أي التحية (قام فأتى بها، إن لم يطل الفصل)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - قم فاركع ركعتين متفق عليه من حديث جابر: فإن طال الفصل فات محلها" انتهى من "كشاف القناع" (2/ 46).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وإذا أقيمت الصلاة وهو قائم: يستحب له أن يجلس، وإن لم يكن صلى تحية المسجد.

قال ابن منصور: رأيت أبا عبد الله أحمد يخرج عند المغرب فحين انتهى إلى موضع الصف، أخذ المؤذن في الإقامة، فجلس" انتهى من "الاختيارات ضمن الفتاوى الكبرى" (5/ 323).

ونقله في "كشاف القناع" (1/244) وقال: " لما روى الخلال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وبلال في الإقامة، فقعد" انتهى.

فإذا اغتُفر الجلوس اليسير لتحقيق هذه السنة، فكذلك – أو أولى - : لو جلس ليعجل الفطر ويشرب جالسا.

ولو شرب قائما فلا حرج كما تقدم، بل هو أولى من جلوسه قبل فعل التحية؛ لعموم النهي عن الجلوس قبل التحية.

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله: " إذا دخلتُ المسجد أثناء وقت أذان ‌المغرب، في شهر رمضان أو غيره، وكنتُ صائماً، فهل أصلي ‌تحية ‌المسجد، أم أجلس للإفطار، ثم أصلي؟

فأجاب:  " ... يبدأ بالإفطار؛ لأن ‌الإفطار ما يضر، يعني: ‌الإفطار لا يلزم منه الجلوس.

هو يقول: يجلس يفطر؟

نقول: ما هو لازم، يأكل تمرة وهو واقف، ثم يصلي ركعتين، ثم يكمل الفطور". انتهى، من "جلسات رمضانية" (11/ 20 بترقيم الشاملة آليا).

وقال الشيخ أيضا:

" الأكمل والأفضل: أن يشرب الإنسان وهو قاعد.

ويجوز الشرب قائما، وقد شرب علي بن أبي طالب رضى الله عنه قائما، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت. فدل ذلك على أن الشرب قائما لا بأس به. لكن الأفضل أن يشرب قاعدا.

بقي أن يقال: إذا كانت البرادة في المسجد، ودخل الإنسان المسجد، فهل يجلس ويشرب، أو يشرب قائما؟ لأنه إن جلس خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، وإن شرب قائما ترك الأفضل؟

فنقول: الأفضل أن يشرب قائما، لأن الجلوس قبل صلاة الركعتين حرام عند بعض العلماء، بخلاف الشرب قائما، فهو أهون.

وعلى هذا فيشرب قائما، ثم يذهب ويصلي تحية المسجد"انتهى، من "شرح رياض الصالحين" (4/254).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (38042).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب