الحمد لله.
أولا:
معنى الولاية وأنواعها
الولاية في اصطلاح الفقهاء: تنفيذ القول على الغير، شاء أو أبى.
فتشمل الإمامة العظمى، والقضاء، والحسبة، والمظالم، والشرطة ونحوها.
كما تشمل قيام شخص كبير راشد، على شخص قاصر، في تدبير شؤونه الشخصية والمالية. كذلك وردت على ألسنتهم ، بمعنى : إقامة الغير مقام النفس في تصرف جائز معلوم ؛ فتناولت الوكالة ونظارة الوقف ونحو ذلك .
وبمعنى : أحقية المطالبة بدمٍ لقتيلٍ، في الجناية على النفس، وسموا صاحبها " ولي الدم ".
كما عبروا عن سلطة الزوج في تأديب زوجته الناشز، والوالد في تأديب ولده الصغير، والمعلم في تأديب تلاميذه : بالولاية على ذلك أيضا. انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (45/ 135).
والولاية نوعان:
الولاية العامة: وهي سلطة على إلزام الغير، وإنفاذ التصرف عليه بدون تفويض منه، تتعلق بأمور الدين والدنيا والنفس والمال، وتهيمن على مرافق الحياة العامة وشؤونها، من أجل جلب المصالح للأمة ، ودرء المفاسد عنها.
والولاية الخاصة، وهي نوعان:
الأول: الولاية على المال: وهي سلطة المرء على مال نفسه، وهي ثابتة لكل من له أهلية الأداء الكاملة، وهو البالغ العاقل الرشيد من الذكور والإناث، فله أن يتصرف في مال نفسه بما يشاء من أنواع التصرفات السائغة شرعا...
فالمرأة البالغة الراشدة (أي التي تحسن التصرف في المال) لها الولاية الكاملة على مالها، تتصرف فيه بما تشاء، ولها أن تبيع وتشتري، وتهب، وتقرض، وغير ذلك.
النوع الثاني: الولاية على النفس: والمراد بها سلطة على شؤون القاصر ونحوه المتعلقة بشخصه ونفسه، كالتزويج والتعليم والتطبيب والتشغيل ونحو ذلك، تقتضي تنفيذ القول عليه شاء أم أبى.
وقد قرر الفقهاء أن أسباب الولاية على النفس ثلاثة: الصغر، والجنون ويلحق به العته، والأنوثة.
قال الدكتور وهبة الزحيلي: " والولاية على النفس: هي الإشراف على شؤون القاصر الشخصية، كالتزويج والتعليم والتطبيب والتشغيل، وهي تثبت للأب والجد وسائر الأولياء ....
ومحل البحث في الزواج : هو الولاية على النفس" انتهى من "الفقه الإسلامي وأدلته" (4/ 6691).
فيدخل في الولاية على الصغير ما يتعلق بإجراء جراحة له، فلابد من إذن وليه، سواء كان الصغير ذكرا أو أنثى.
وقال الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي: " مما يشترط لجواز فعل الجراحه الطبية أن يأذن المريض بفعلها إذا توفرت فيه أهلية الإذن.
وأما إذا لم يكن أهلاً، فإنه يعتبر إذن وليه، كأبيه مثلاً.
وعلى هذا : فإنه لا يجوز للطبيب الجَرَّاح أن يقوم بفعل الجراحة الطبية للمريض، إذا لم يوافق عليها، وقد أشار الإمام ابن قدامة -رحمه الله- إلى اعتبار إذن المريض أو وليه، وذلك بقوله: "وإن ختن صبيًا بغير إذن وليه، أو قطع سَلْعة من إنسان بغير إذنٍ ، أو من صبي بغير إذن وليه ، فَسَرَت جنايتُه : ضَمِن، لأنه قطعٌ غيرُ مأذون فيه.
وإن فعل ذلك الحاكم، أو من له ولاية عليه، أو فعله من أَذِنَا له : لم يضمن؛ لأنه مأذون فيه شرعًا" انتهى من "أحكام الجراحة الطبية" ص109
ثانيا:
الولاية على المرأة
الولاية على المرأة البالغة الرشيدة تنحصر في نوعين:
الأول: ولاية التزويج: والجمهور على أنه ليس للمرأة أن تزوج نفسها، بل يشترط لصحة نكاحها أن يعقده الولي أو من ينيبه.
والثاني: ولاية الزوج التأديبية: وقد ذهب أهل العلم إلى أن من أحكام عقد النكاح، ولاية الزوج على تأديب زوجته، إذا استعصت عليه، وترفعت عن مطاوعته، ومتابعته فيما يجب عليها من ذلك، لقوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا).
فيعظها أولا بالرفق واللين، لعلها تقبل الموعظة، فتدع النشوز، فإن لم ينفع معها ذلك، هجرها في المضجع، فإن أصرت على البغض والعصيان : ضربها ضربا غير مبرح ، بالقدر الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه. انتهى ملخصا من "الموسوعة الفقهية" (45/ 159 - 174).
وفي ولاية التأديب: يقول الكاساني: " منها ولاية التأديب للزوج، إذا لم تطعه فيما يلزم طاعته، بأن كانت ناشزة، فله أن يؤدبها لكن على الترتيب، فيعظها أولا على الرفق واللين، بأن يقول لها كوني من الصالحات القانتات الحافظات للغيب، ولا تكوني من كذا وكذا، فعلها تقبل الموعظة , فتترك النشوز , فإن نجعت فيها الموعظة , ورجعت إلى الفراش وإلا هجرها.
وقيل: يخوفها بالهجر أولا، والاعتزال عنها، وترك الجماع والمضاجعة؛ فإن تركت، وإلا هجرها، لعل نفسها لا تحتمل الهجر " انتهى من "بدائع الصنائع" (2/ 334).
وحاصل ما تقدم:
أن المرأة البالغة الرشيدة تلي مالها بنفسها، وليس عليها ولاية إلا ولاية التزويج، وولاية الأب، والزوج التأديبية.
ثالثا:
الولاية على الصغير
فيما يتعلق بالولاية على الصغير، وهي الحضانة، فإنها تنتهي في حق المرأة ببلوغها ورشدها، إلا أنها لا تنفرد بنفسها، بل يتولى وليها رعايتها حتى تتزوج.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا تثبت الحضانة إلا على الطفل أو المعتوه، فأما البالغ الرشيد، فلا حضانة عليه، وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه .
فإن كان رجلا : فله الانفراد بنفسه، لاستغنائه عنهما، ويستحب أن لا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره عنهما.
وإن كانت جارية : لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه؛ لأنه لا يؤمَن أن يدخل عليها من يفسدها، ويلحق العار بها وبأهلها.
وإن لم يكن لها أب، فلوليها وأهلها : منعها من ذلك" انتهى من "المغني" (8/ 191).
وقال الدكتور وهبة الزحيلي: انتهاء الولاية على النفس:
تنتهي الولاية على النفس في رأي الحنفية في حق الغلام ببلوغه خمس عشرة سنة، أو بظهور علامة من علامات البلوغ الطبيعية، وكان عاقلاً مأموناً على نفسه. وإلا بقي في ولاية الولي.
وأما في حق الأنثى، فتنتهي هذه المرحلة بزواجها، فإن تزوجت صار حق إمساكها لزوجها، وإن لم تتزوج بقيت في ولاية غيرها، إلى أن تصير مسنّة مأمونة على نفسها، فحينئذ يجوز لها أن تنفرد بالسكنى، أو تقيم مع أمها.
ولم يحدد الحنفية هذه السن، والظاهر من كلامهم أن تصير عجوزاً لا يرغب فيها الرجال...
وأما في مذهب المالكية: فتنتهي الولاية على النفس بزوال سببها، وسببها الصغر وما في معناه: وهو الجنون والعته والمرض.
وأما الأنثى: فلا تنتهي الولاية النفسية عليها إلا بدخول الزوج بها، كما بان في بحث الحضانة. انتهى، مختصرا، من "الفقه الإسلامي وأدلته" (10/ 7330).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (264155)، ورقم: (126208).
رابعا:
سفر المرأة بغير محرم
منع الشارع المرأة من السفر بغير محرم، كما روى البخاري (1729)، ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) .
وفي هذا تفصيل ينظر في جواب السؤال رقم : (101520).
وأما تنقلها داخل المدينة، فلا يشترط له المحرم، ما لم تكن هناك رِيبة، فعلى وليها أن يحفظها ويصونها من أسباب الفتنة والريبة.
والحاصل :
أن المرأة إن كانت بالغة راشدة، فلها حرية التصرف في المال وغيره، إلا أنها لا تزوج نفسها، ولا تسافر إلا بمحرم، ولها أن تعمل الأعمال المباحة، وتبيع وتشتري، وغير ذلك.
وينبغي أن يوقن المؤمن بحكمة الله تعالى وعدله، وأنه ما شرع لنا إلا ما فيه صلاحنا واستقامتنا.
والله أعلم
تعليق