الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ما هي حالات تبعية الإنسان لأحد والديه؟

280777

تاريخ النشر : 05-12-2024

المشاهدات : 758

السؤال

هل ينتمي الأولاد لوالدهم ويجب عليهم أن يتبعوه في كلّ شيء؟ لقد اعتنقت الإسلام منذ سنواتٍ مضت، وتزوجت رجلاً من بلدٍ غير بلدي، الآن لدينا ولدٌ، وأريد أن أعرف هل يُعتبر روسيّاً؛ بما أنني من روسيا، أو فقط جزائري مثل زوجي؟ أقارب زوجي يقولون: بأنّ الأولاد يتبعون الوالد في كلّ شيء، لذلك يجب أن يُعتبر فقط جزائريا. أريد بعض الأدلة على ذلك.

الجواب

الحمد لله.

تبعية الولد لأحد والديه، يكون حسب جهة التبعية:

الجهة الأولى: جهة النسب، وما يترتب عليه من أحكام شرعية.

فمن هذه الجهة يجب نسبته إلى أبيه فقط، إذا كان معلوما، وليس إلى أمه.

قال الله تعالى:

 ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا الأحزاب/5.

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ  رواه البخاري (3508)، ومسلم (61).

جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”:

” وأما تبعيته لأبيه في النسب، ولأمه في الحرية والرق: فدليله الإجماع العملي جيلا بعد جيل.

ولعموم قوله تعالى: ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ).

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى. “فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى” (20 / 342).

فلا إشكال في وجوب نسبة الولد لأبيه، وعائلة أبيه، في جميع الوثائق الرسمية، بذلك النسب الشرعي، وما يترتب عليه من حقوق شرعيه.

الجهة الثانية:

من جهة النسبة إلى قرابته ورحمه، في غير الوثائق الرسمية، إنما من باب التعريف فقط؛ فكما ينسب إلى والده وقومه، فإنه ينسب أيضا إلى أمه وقومها وأخواله، مع علم السامع بحقيقة نسبه إلى أبيه.

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان ينسب أبناء بنته إلى نفسه.

فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ رواه البخاري (2704).

وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَنْصَارَ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟

قَالُوا: لاَ، إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ رواه البخاري (3528)، ومسلم (1059).

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

” الواحد بالشخص: له جهتان، فمعنى لفظ الابن: له جهة خاصة، هي معنى كونه خلق من ماء هذا الرجل على وجه يلحق فيه نسبه به، وهذا المعنى منفي عن والد أمّه، فلا يقال له “ابن” بهذا الاعتبار، وثابت لأبيه الذي خلق من مائه.

وله جهة أخرى هي كونه خارجا في الجملة من هذا الشخص، سواء كان بالمباشرة، أو بواسطة ابنه أو بنته وإن سفل، فالبنوة بهذا المعنى ثابتة لولد البنت، وهذا المعنى هو الذي عناه – صلى الله عليه وسلم – في قوله في الحسن بن علي رضي الله عنهما: ( إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ) الحديث، وهو المراد في الآيات القرآنية، كقوله تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ )، وقوله تعالى: ( وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ )، وكقوله تعالى: ( لَا جُنَاحَ عَلَيهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ ) ” انتهى. “أضواء البيان” (7 / 253).

وما زال المسلمون من عصر النبي صلى الله عليه وسلم ينسبون بعضهم أحيانا إلى جهة أمهاتهم من باب التعريف، من غير نكير.

عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رواه البخاري (622)، ومسلم (1092).

قال العراقي رحمه الله تعالى:

” فيه دليل على جواز نسبة الإنسان إلى أمه، وفي الصحابة جماعة عرفوا بذلك؛ منهم ابن بحينة، ويعلى بن منية، والحارث بن البرصاء، وغيرهم ” انتهى. “طرح التثريب” (2 / 213).

وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

” وقد نُسب جماعة إلى أُمهاتهم، وغلب ذلك عليهم، كبلال ابن حَمامة، ومعاذ ابن عَفراء، وبشير ابن الخَصاصية، وابن بُحَينة، ويَعلى ابن مُنْيَة؛ فى خلق كثير قد ذكرته فى كتاب “التلقيح”. ” انتهى. “مناقب الإمام أحمد” (357).

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

” النسبة إلى الأم هل هو جائز أو لا؟”

فأجاب: ” إذا كانت النسبة إلى الأم لا تعني محو نسبته إلى الأب: فلا بأس به، بشرط ألا يغضبَ من ذلك، فتكون كالكنية ويكون الاسم الأول هو الأصل، فأما إذا تُنوسي اسم الأب، ومحي: فإن هذا لا يجوز؛ لعموم قوله تعالى: ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ )، ولأنه إذا تنوسي فربما يضيع نسب هذا الرجل، ولأنه إذا تنوسي ربما يتهم هذا الرجل بأنه ابن زنا، ليس له أب، وأما إذا جعل ذلك كالكنية مع الاسم الأصلي، فلا حرج ” انتهى. “فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام” (2 / 560).

الجهة الثالثة: جهة الدين.

من هذه الجهة يتبع المولودُ خيرَ أبويه دينا، فإذا كان أبوه كافرا وأسلمت أمه، فإنه يتبع أمّه، وهو قول جمهور أهل العلم.

جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (2 / 310):

” إذا اختلف دين الوالدين بأن كان أحدهما مسلما والآخر كافرا: فإن ولدهما الصغير، أو الكبير الذي بلغ مجنونا، يكون مسلما تبعا لخيرهما دينا. هذا مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة …” انتهى.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

” فإن قيل: فهلا جعلتم الولد في الدين تابعا لمن له النسب، بل ألحقتموه بأبيه تارة وبأمه تارة!

قيل: الطفل لا يستقلّ بنفسه، بل لا يكون إلا تابعا لغيره؛ فجعله الشارع تابعا لخير أبويه في الدين، تغليبا لخير الدّينَين، فإنه إذا لم يكن له بدٌ من التبعية، لم يجز أن يتبع من هو على دين الشيطان، وتنقطع تبعيته عمن هو على دين الرحمن؛ فهذا محال في حكمة الله تعالى وشرعه” انتهى. “أعلام الموقعين” (2 / 334).

وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”:

” وما فهمته من أن الولد يتبع المسلم منهما، سواء كان أبا أو أما، فيغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ولو كان الطرف الآخر كافرا= فهم صحيح، كما لو كانا مسلمين، تغليبا لجانب الإسلام؛ لأن الولد يولد على فطرة الإسلام؛ لقول الله سبحانه: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل مولود يولد على الفطرة ) ” انتهى. “فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى” (20 / 342).

الجهة الرابعة: جهة النِّسْبة إلى بلد أحد الوالدين.

فنسبة الشخص إلى بلد لا يلزم أن تكون هذه النسبة مرتبطة بالنسب الشرعي، بل يجوز نسبة الشخص إلى بلد غير بلد أبيه، كبلد أمه بأدنى علاقة، كالولادة، أو النشأة، أو الإقامة فيها زمنا، وما زال المسلمون من عهد النبوة يوجد فيهم من ينسب إلى بلد غير بلد أبيه، لأسباب مختلفة.

ومن أشهرهم الصحابي صهيب الرومي رضي الله عنه، فنسب إلى بلاد الروم لأنه نشأ فيها ولم يكن والده روميا.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

صهيب بن سنان بن مالك. ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل. ويقال: طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمريّ، أبو يحيى.

وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم، وهو الرّوميّ. قيل له ذلك لأن الرّوم سبوه صغيرا.

قال ابن سعد: وكان أبوه وعمه على الأبلّة من جهة كسرى، وكانت منازلهم على دجلة من جهة الموصل، فنشأ صهيب بالروم” انتهى. “الإصابة في تمييز الصحابة” (5 / 293).

ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم (218428).

ومن هذا الباب وثيقة الجنسية، فهي ليست وثيقة لتحديد علاقة الولد بوالديه، وإنما هي وثيقة بينه وبين نظام بلد الجنسية؛ ليتمكن من الإقامة والعيش في هذا البلد الذي أعطاه الجنسية، فيجوز للولد أن يأخذ جنسية بلد أمه، ليتمكن من العيش فيها، أو زيارتها متى شاء، لكن بشرط أن لا يكون أخذه لهذه الجنسية يخل بالنسب الشرعي، بل يكون اسمه في هذه الوثيقة منسوبا إلى أبيه، وليس إلى أمه.

وله أن يحتفظ في أوراقه الرسمية بأكثر من جنسيته، كما تسمح به بعض الأنظمة.

وبكل حال؛ فهذه مسألة واقعية، نظامية، ليست من مقتضيات حكم الشريعة في الأنساب، وينظر فيها إلى جانب المصلحة، ولا تحتاج إلى تنازع، أو إشكال أصلا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب