الحمد لله.
الأذان لغير الصلاة : إن كان لأمر يشرع له الأذان ، أو تظهر مناسبته الشرعية للأذان : فلا بأس به .
ومثال ما يشرع له الأذان ، أو تظهر مناسبة الأذان له : الأذان في أذن المولود ، كما جاءت به السنة ، أو الأذان لطرد الشيطان ، أو خوفَ تمرد الجان ، ونحو ذلك ؛ فمثل ذلك : مما لا يظهر فيه حرج ، إن شاء الله ، ويرجى أن يكون من أسباب دفع الشيطان ، والتحصن من عدوان الجان ، وتمردهم .
فعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إِذَا نُودِيَ بالصَّلاَةِ ، أدْبَرَ الشَّيْطَانُ ، وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأذِينَ ، فَإذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أقْبَلَ ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ للصَّلاةِ أدْبَرَ ، حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أقْبَلَ ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ ، يَقُولُ : اذْكُرْ كَذَا واذكر كَذَا - لِمَا لَمْ يَذْكُر مِنْ قَبْلُ - حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ مَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى ) رواه البخاري (608) ومسلم (389) .
و"التَّثْوِيبُ" : الإقَامَةُ .
هذا ، مع أن فرار الشيطان من التأذين لغير الصلاة : ليس من موضع النص هنا ، ولا من متين العلم فيه ؛ وإنما هو من باب الرجاء ، والاستئناس ؛ لا سيما وقد شهد لهذا الأصل – في الجملة - : مشروعية الأذان في أذن المولود ، عند ولادته .
وقد روى الإمام أحمد (14277) والنسائي في الكبري (10725) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ، فَإِذَا تَغَوَّلَتْ لَكُمُ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ ) . وضعفه الألباني في "الضعيفة" .
وينظر بعض ما ورد في ذلك من آثار :
https://www.alimam.ws/ref/1020
قال النووي رحمه الله : " والغِيْلاَنُ جنسٌ من الجنّ والشياطين وهم سَحَرَتُُهم؛ ومعنى تغوّلت : تلوّنت في صور؛ والمراد ادفعوا شرّها بالأذان، فإن الشيطانَ إذا سمع الأذان أدبر . وقد قدَّمنا ما يشبُه هذا في باب ما يقولُ إذا عرضَ له شيطان، في أوّل كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات، وذكرنا أنه ينبغي أنه يشتغلَ بقراءة القرآن للآيات المذكورة في ذلك ." انتهى، "الأذكار" (287) .
وينظر للفائدة : "أحكام الأذان والإقامة" ، لسامي بن فراج الحازمي ، رسالة ماجتسير من "جامعة أم القرى" (317-320) .
وإذا أذن لأمر عارض ، في غير وقت الصلاة : فينبغي له مراعاة من حوله ، فلا يشوش على نائم ، ولا مصل ، ولا مذاكر ، ولا يؤذ به أحدا ، لأن أذانه هنا : إنما شرع لأمر يخصه ، وليس هو النداء العام للصلاة ، الذي يشرع الجهر به ، وإسماع الناس .
وأما إذا كان لم يكن الأذان للصلاة ، ولا لأمر عارض يقتضيه ، كما تفعله أنت في عملك ، ونهاك عنه معلمك : فلا يظهر لنا مشروعية ذلك ، بل هو أمر ينهى عنه ، وليس لك فعله ، لا سيما مع رفع الصوت ، بحيث يسمعك معلمك وينهاك .
وأما أن يكون ترنما فيما بينك وبين نفسك ، كما يترنم العامل بالنشيد والحداء أحيانا ، أو بالقرآن أحيانا أخرى ، فتترنم أنت في خاصة نفسك بالأذان أحيانا ، من غير تشويش على من حولك ، ولا إزعاج لهم : فلا يظهر لنا حرج في ذلك .
والله أعلم .
تعليق