الحمد لله.
الوحي لم يخبرنا إلا بزوجة واحدة لآدم عليه السلام.
وهذه الزوجة ، حواء ، عليها السلام ، هي التي خلقها الله تعالى من "آدم" .
قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1.
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف/189.
وقال تعالى: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) الزمر/6.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
"وقد خلق حواء من آدم بلا نزاع كما نصت عليه هذه الآيات القرآنية" انتهى من "العذب النمير" (3/279) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا خَلْقَهُ بِتَقْوَاهُ، وَهِيَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ومُنَبّهًا لَهُمْ عَلَى قُدْرَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُمْ بِهَا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَهِيَ حَوَّاءُ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، خُلِقَتْ مِنْ ضِلعه الْأَيْسَرِ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ فَرَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَنِسَ إِلَيْهَا وَأَنِسَتْ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خُلقَت الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ، فَجُعِلَ نَهْمَتَها فِي الرَّجُلِ، وَخُلِقَ الرَّجُلُ مِنَ الْأَرْضِ، فَجُعِلَ نَهْمَتُهُ فِي الْأَرْضِ، فَاحْبِسُوا نِسَاءَكُمْ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَج" انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/206).
وهذه الزوجة هي التي دخلت معه الجنة، وهي التي هبطت معه إلى الأرض.
قال الله تعالى:
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ* وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) البقرة/34 - 36.
وقال الله تعالى:
( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى* فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى* فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى* فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى* ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى* قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/116 - 124.
وهذه الزوجة هي حواء كما سبق ؛ وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنَّ أُنْثَى زَوْجَهَا ) رواه البخاري (3330)، ومسلم (1470).
وهذا الذي كان معروفا عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى في عهد سلفنا الصالح.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وسياق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة، وقد صرح بذلك محمد بن إسحاق، حيث قال: لما فرغ الله من معاتبة إبليس، أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها ...
قال: ثم ألقيت السنة على آدم -فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم، عن ابن عباس وغيره -ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر، ولأم مكانه لحما، وآدم نائم لم يهب من نومه، حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء، فسواها امرأة ليسكن إليها.
فلما كشف عنه السِّنَة ، وهبَّ من نومه، رآها إلى جنبه، فقال -فيما يزعمون والله أعلم-: لحمي ودمي وروحي. فسكن إليها. فلما زوجه الله، وجعل له سكنا من نفسه، قال له قبلا: ( يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/ 233-234).
فالحاصل؛ أن الوحي دلّ على أن آدم عليه السلام لم يسكن في الجنة إلا مع حواء، وهذا الذي لا تخالفه كتب أهل الكتاب المنسوبة إلى أنبيائهم، فلم يرد فيها ذكر لامرأة اسمها ليليث، أو أنها كانت زوجة لآدم عليه السلام في الجنة وفرت من هناك .
وهذه القصة التي يدّعيها اليهود المعاصرون لم ترد إلا في كتابهم "الزوهار"، و"التلمود"، وكلاهما من وضع البشر.
قال الدكتور عبد الوهاب المسيري:
" ليل أو (ليليت) شيطانة في التراث الديني اليهودي الشعبي. ويبدو أن كلمة "ليل" صيغة مُعَبْرَنة للشيطانة البابلية ليليتو، ومن خلال ربط اسمها بالكلمة العبرية "ليلاه"، أي "ليل"، فُسِّرت ليل بأنها شيطانة الليل والظلام التي تأتي بالأحلام الجنسية للرجال وتسبب القذف أثناء النوم، وتقتل الأطفال المولودين وأمهاتهم، وخصوصاً في الأيام السبعة الأولى بعد الميلاد، وتظهر صورتها في آثار سومر على هيئة أنثى عارية مجنحة تقف على ظهر أسد، ولها مخالب طائر.
وحسبما جاء في التلمود، كانت ليل عشيقة آدم في الفترة التي افترق فيها عن حواء بعد طردهما من الجنة وولَدت له عدة شياطين. وفي رواية أخرى، كانت ليل هذه زوجته الأولى قبل حواء، خُلقَت مثله من طين لا من ضلعه، ولكنهما تشاجرا لأنها لم توافق على أن يطأها الرجل في عملية الجماع، وذلك لأنها ترى أن في هذا إذلالاً لها وهيمنة للرجل عليها، فنطقت باسم يهوه وهربت وأقسمت أن تنتقم منه. ولذا، فهي تقتل أولاد حواء. ولكن يمكن أن يُوقَف مفعول لعنتها عن طريق استخدام الحجاب المناسب.
والواقع أن شخصية ليل (أو ليليت) مثال جيد للسمة الجيولوجية في النسق الديني اليهودي، فهي قد ذُكرَت في العهد القديم بشكل عابر (أشعياء 34/14) باعتبارها إحدى الأرواح ، أو أحد الوحوش المفترسة التي ستدمر الأرض في آخر الأيام. ثم نسجت حولها الأساطير بحيث أصبح داخل اليهودية قصتان متناقضتان للخلق يتعايشان جنباً إلى جنب. وقد أصبحت ليليت إحدى بطلات حركة التمركز حول الأنثى في أمريكا والعالم الغربي وعلماً على الأنثى المتمردة" انتهى من "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" (5 / 293).
فأما التلمود فجزؤه الذي يتناول أمثال هذه القصص هو "الجمارا"، وهو من وضع أحبار اليهود المتأخرين الذين عاشوا بين 200 و 500 بعد الميلاد.
ينظر أيضا : "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" (5/145).
وأما كتاب "الزوهار" فهو من الكتب التي يرجّح بعض الباحثين من اليهود أن الموجود منها حاليا يرجع وضعه إلى القرن الثالث عشر.
وينظر : "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" (5/181).
فهذه الأسطورة عن ليليث هي من صنع البشر ولا يعرف لها أصل من الوحي، ومن المعلوم لكل مسلم أن الأمور الغيبية لا تؤخذ إلا من الوحي.
قال الله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) المزمل/26-27.
هذا ما يخص وجود زوجة ثانية لآدم من حيث الأصل.
أما ما ورد من تفاصيل قصتها فلا شك في بطلانها لما فيه من الإساءة لآدم عليه السلام، وما فيها من تفاصيل يقطع كل عاقل بكونها من أساطير الوثنيين المشركين، وليست من جنس أخبار بدء الخلق التي جاء بها الوحي.
والله أعلم.
تعليق