الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

الفرق بين الرجاء والتمني فرق لغوي

283313

تاريخ النشر : 22-03-2018

المشاهدات : 110360

السؤال

هل قول: أتمنى ربي ، أو: يا ليت ربي أن أحصل على عمل أفضل مثلا ، تأتي بمعنى: أن يا ربي لا تستجب لي ؛ لأن أحد العلماء استدل ببعض الآية القرآنية أنه معناها عدم الإستجابة ، ويفضل قول: أرجوك ربي ، بدلا منها ، فأرجو الإفادة ؛ لأن معظم الأمة أو كلها تستخدم هذه الكلمة " أتمنى "، أو " يا ليت " ؟

الجواب

الحمد لله.

هذه المسألة من مسائل اللغة العربية، وليست من المسائل الشرعية، بمعنى أنه ليس في الدين ما يثبت أو ينفي أن الله عز وجل لا يستجيب لمن يستعمل كلمة "أتمنى"، وليس في النصوص الشرعية ما يأمر الناس باستعمال كلمة "أرجو" أو كلمة "أتمنى".

فالأمر ليس له تعلق بشيء من صميم الدين ، ولا من الإخبار عن الله سبحانه.

وإنما الأمر مجرد تدقيق لغوي، أيهما أصوب – من حيث اللغة العربية وقواعدها وعلومها – أن تستعمل في الدعاء كلمة "أرجو" أم كلمة أتمنى. هذا هو الموضوع.

هنا نجيب على سؤالك بأن الأفصح - ولا شك - أن تستعمل كلمات الرجاء في الدعاء، وتبتعد عن كلمات التمني بـ "ليت" ونحوها.

والسبب أن التمني يستعمل في اللغة العربية في الأمور مستحيلة الوقوع، أو غير المستحيلة، ولكنها بعيدة المنال، ومستبعدة الحصول.

وشواهد ذلك في القرآن الكريم عديدة، منها قوله تعالى: (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا)النساء/ 73، وقوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنعام/27 ، وقوله عز وجل: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا)مريم/ 23 ، وقوله سبحانه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) الفرقان/ 27، 28 ، وقوله جل وعلا: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) النبأ/ 40 ، والعديد من المواضع الأخرى.

ومن الشواهد في الشعر العربي ما أنشده أبو العتاهية – كما في "البيان والتبيين" (3/56)- يقول:

عريت من الشباب وكان غضا ... كما يعرى من الورق القضيب

ألا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما صنع المشيب

فاستعمل "ليت" في أمر مستحيل الوقوع عادة.

جاء في "شرح المفصل" لابن يعيش (4/ 570):

"الفرقُ بينهما : أنّ الترجّي توقُّعُ أمر مشكوك فيه أو مظنونٍ، والتمنّي طلبُ أمر موهوم الحصول، وربما كان مستحيلَ الحصول، نحوَ قوله تعالى: يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ، ويَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا، وهذا طلبُ مستحيل، إذ كان الواقع بخلافه" انتهى.

ويقول ابن هشام رحمه الله:

"ليت: حرف تمن يتعلق بالمستحيل غالبا، وبالممكن قليلا" انتهى من "مغني اللبيب" (ص: 375) .

ويقول بدر الدين الدماميني رحمه الله:

"(ليت) للتمني، وهو طلب حصول شيء مستحيل، أو ممكن غير متوقع ، على سبيل المحبة.

ثم تعلقه بالمستحيل كثير، نحو: ليت الشباب يعود.

وبالممكن قليل، نحو: ليت زيدا يحسن إلى من أساء إليه .

ولكن يجب في التمني- إذا كان متعلقه ممكنا كهذا- أن لا يكون [لك] توقع وطماعية في وقوعه، وإلا صار ترجيا.

و(لعل) للترجي، وهو الطمع في حصول أمر محبوب ممكن الوقوع" انتهى من "تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد" (4/ 15)

وهكذا بيَّن النحاة أن عادة لغة العرب في استعمال (ليت) في المستحيل وقوعه، وإذا استعملت في الممكن وقوعه لا بد أن يكون مستبعدا ، وغير مرجو مع إمكانه.

كما جاء في "حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك" (1/ 399):

" (في الممكن) أي غير المتوقع، أي المنتظر وقوعه، بخلاف الممكن في الترجي فمنتظر وقوعه.

قوله: "وهو الأكثر" أي التمني في المستحيل" انتهى.

والحاصل من ذلك كله ، فيما يتعلق بالدعاء :

أننا حين نسأل الله تعالى الرحمة أو المغفرة أو الرزق أو الفرج فينبغي أن نسأله موقنين بالإجابة، محسنين الظن به سبحانه، كما قال عز وجل: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) رواه البخاري (7405) ، ومسلم (2675) في الحديث القدسي، وكما يروى عنه صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ) رواه الترمذي وقال: غريب من هذا الوجه.

وهذه الأحوال القلبية، والمقامات العبادية، لا تناسبها – من جهة اللغة – كلمات التمني، كما سبق بيانه، فلا يصح لغةً – لمن حالُه حُسنُ الظن بالله ورجاء ما عنده – أن يقول: أتمنى أن يرحمني ربي. أو يقول: ليت الله يفرج عني. بل ليعزم المسألة .

وليستعمل كلمات الرجاء والسؤال الأكيد، فيقول: أرجو الله الرحمة والعافية. وأسأل الله الفرج، فما عند الله قريب؛ لأنه عز وجل قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186.

ثم ، إذا استعمل "التمني" في موضع "الرجاء" ، أو عكسه : فلا حرج عليه في ذلك إن شاء الله ، لا سيما إن كانت هذه عاميته التي ينطق بها ، ويعتادها في خطابه ، أو يدعو بها .

وإن كان الأحسن : مراعاة الأفصح ، وما تقتضيه لغة العرب ، وعاداتها في ألفاظها وأساليبها .

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" عن رجل دعا دعاء ملحونا فقال: له رجل ما يقبل الله دعاء ملحونا؟

فأجاب:

من قال هذا القول : فهو آثم مخالف للكتاب والسنة ، ولما كان عليه السلف .

وأما من دعا الله مخلصا له الدين ، بدعاء جائز : سمعه الله ، وأجاب دعاءه ؛ سواء كان معربا، أو ملحونا .

والكلام المذكور : لا أصل له؛ بل ينبغي للداعي إذا لم يكن عادته الإعراب : أن لا يتكلف الإعراب . قال بعض السلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع .

وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء ؛ فإذا وقع بغير تكلف : فلا بأس به .

فإن أصل الدعاء من القلب ، واللسان تابع للقلب.

ومن جعل همته في الدعاء تقويم لسانه : أضعف توجه قلبه .

ولهذا يدعو المضطر بقلبه ، دعاء يفتح عليه ، لا يحضره قبل ذلك . وهذا أمر يجده كل مؤمن في قلبه.

والدعاء يجوز بالعربية ، وبغير العربية .

والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده ، وإن لم يقوم لسانه ؛ فإنه يعلم ضجيج الأصوات ، باختلاف اللغات ، على تنوع الحاجات " انتهى ،من "مجموع الفتاوى" (22/488-489) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب