الأربعاء 11 محرّم 1446 - 17 يوليو 2024
العربية

حكم تغيير اسم العائلة إذا كان يسبب له ولأولاده الحرج

283415

تاريخ النشر : 29-01-2018

المشاهدات : 33370

السؤال

أسكن في بلد خليجي ، وقد تلقيت الكثير من العنصرية بسبب اسم عائلتي ، فقررت أن أغير هذا الاسم ؛ حتى لا يتعرض أولادي فيما بعد لنفس العنصرية التي تلقيتها ، فما حكم تغيير اسم العائلة؟ علما بأنني ساحرص على أن يكون اسما جديدا أي لم يستخدم من قبل ، ولا أقصد أبدا الانتماء إلى أحد القبائل ، فما حكم ذلك ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

يجوز تغيير الاسم السيئ إلى اسم حسن ، كما غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بعض الصحابة، ما لم يكن في هذا التغيير انتساب إلى عائلة أخرى فهذا محرم تحريما شديدا.

فعن ابن عمر: (أَنَّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَتْ يُقَالُ لَهَا : عَاصِيَةُ ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ) رواه مسلم (2139).

قال في "مطالب أولي النهى" (2/495): " وَيُسْتَحَبُّ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَغَيَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَ الْعَاصِي وَعَزِيزٍ وَعَتَلَةَ وَالْحَكَمِ وَغُرَابٍ وَحُبَابٍ وَشِهَابٍ، فَسَمَّاهُ هِشَامًا، وَسَمَّى حَرْبًا سِلْمًا، وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ، وَأَرْضًا عَفْرَةً سَمَّاهَا خَضِرَةً، وَشِعْبَ الضَّلَالَةِ سَمَّاهُ شِعْبَ الْهُدَى، وَبَنُو الزِّنْيَةِ سَمَّاهُمْ بَنِي الرِّشْدَةِ، وَسَمَّى بَنِي مُغْوِيَةٍ بَنِي مُرْشِدَةٍ وَقَالَ: وَتَرَكْتُ أَسَانِيدَهَا لِلِاخْتِصَارِ ." انتهى. وينظر : "الفروع" (6/109) .

ويباح تغيير الاسم الحسن إلى مثله، كمن كان اسمه عبد الله ، أو محمد ، فغيره إلى عبد الرحمن أو أحمد، إذ الأصل الإباحة، لا سيما إذا كان لمصلحة كالبعد عما يفيد التزكية للنفس.

روى البخاري (6192) ومسلم (2141) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : (أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ ، فَقِيلَ : تُزَكِّي نَفْسَهَا ! فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ) .

قال ابن القيم رحمه الله في تحفة المودود ص 133 : " وكما أن تغيير الاسم يكون لقبحه وكراهته ، فقد يكون لمصلحة أخرى مع حسنه ، كما غير اسم برة بزينب ، كراهة التزكية ، وأن يقال : خرج من عند برة، أو يقال : كنت عند برة ؟ فيقول : لا، كما ذكر في الحديث " انتهى .

 ثانيا:

وأما الانتساب إلى غير الأب، أو العائلة، فقد جاء فيه وعيد شديد، فمنه ما روى البخاري (3508) ومسلم (61) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلا كَفَرَ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ).

قال ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف ، والادعاء إلى غيره، وقيد في الحديث بـ(العلم) ؛ ولا بد منه في الحالتين ، إثباتا ونفيا؛ لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء ، المتعمد له" انتهى من فتح الباري (6/ 541).

وقال العيني رحمه الله: " قَوْله: (وَمن ادّعى قوما) أَي: وَمن انتسب إِلَى قوم. قَوْله: (لَيْسَ لَهُ فيهم نسب)، أَي: لَيْسَ لهَذَا الْمُدَّعِي فِي هَذَا الْقَوْم نسب، أَي: قرَابَة" انتهى من عمدة القاري (16/ 80).

والكفر الوارد في الحديث هو الكفر الأصغر، لكن هذا يدل على تحريم الفعل ، وأنه من أكبر الكبائر.

وروى البخاري (1870) ومسلم (1370) واللفظ له من حديث علي مرفوعا: ( وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا).

ثالثا:

لا حرج عليك في تغيير هذا الاسم الذي يسبب لك الحرج، بشرط أن لا يؤدي التغيير إلى إيهام الانتساب إلى عائلة معروفة.

والطريقة الملائمة هنا أن تنتسب إلى جدك الأبعد من هذا الجد، أو الأقرب، حفاظا على النسب وما يترتب عليه من أحكام كالإرث وصلة الرحم، وحذرا من الوعيد الوارد في الأحاديث.

فتحذف هذا الاسم من البطاقة ونحوها، وتضع محله اسم جدك الأعلى أو الأدنى.

وبهذا تتخلص من الحرج الذي تلاقيه بسبب ذلك ، وتنجو من الحرج الشرعي أيضا ، ولا إثم ، ولا كذب ، ولا ريبة في ذلك كله .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا يحل له أن ينتسب إلى غير أبيه وهو يعلم أنه ليس بأبيه، فمثلا إذا كان أبوه من القبيلة الفلانية ، ورأى أن هذه القبيلة فيها نقص عن القبيلة الأخرى ، فانتمى إلى قبيلة ثانية أعلى حسبا ، لأجل أن يزيل عن نفسه عيب قبيلته، فإن هذا والعياذ بالله ملعون عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.

وأما إذا انتمى الإنسان إلى جده ، وأبي جده ، وهو مشهور ومعروف ، دون أن ينتفي من أبيه فلا بأس بهذا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا ابن عبد المطلب أنا النبي ولا كذب) ، مع أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فعبد المطلب جده، ولكنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في غزوة حنين؛ لأن عبد المطلب أشهر من أبيه عبد الله، وهو عند قريش في المكانة العليا، فلهذا قال: ( أنا ابن عبد المطلب) لكنه من المعلوم أنه محمد بن عبد الله ولم ينتف من أبيه .

وكذلك أيضا الناس ينتسبون إلى اسم القبيلة، فيقول مثلا: أحمد بن تيمية، وما أشبه ذلك مما ينتسب إلى القبيلة .

لكن المهم ، الذي عليه الوعيد : هو الذي ينتمي إلى غير أبيه؛ لأنه غير راض بحسبه ونسبه، فيريد أن يرفع نفسه ، ويدفع خسيسته ، بالانتماء إلى غير أبيه، فهذا هو الذي عليه اللعنة ، والعياذ بالله.

يوجد والعياذ بالله من يفعل ذلك للدنيا، ينتسبون إلى أعمامهم دون آبائهم للدنيا، مثل ما يوجد الآن أناس لديهم جنسيتان ينتسب إلى عمه أو إلى خاله ، أو ما أشبه ذلك ، لينال بذلك شيئا من الدنيا، هذا أيضا حرام عليه، ولا يحل عليه ذلك .

والواجب على من كان كذلك : أن يعدل تبعيته وجنسيته ، وكذلك بطاقته ، ولا يبقيها على ما هي عليه .

ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرا ورزقه من حيث لا يحتسب" انتهى من "شرح رياض الصالحين" (6/ 592).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب