الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

هل ورد وعيد للزوج إذا طلق بلا سبب كما في حال الزوجة ؟

284365

تاريخ النشر : 10-06-2018

المشاهدات : 96956

السؤال

المرأة إن طلبت زوجها الطلاق بغير سبب فهي آثمة بنص الحديث ، مع إني قد سمعت بعض العلماء ضعف الحديث ، وأنه معلول ، لكن الذي يحيرني لماذا الأمر محرم على المرأة ، وجائز أو مكروه للرجل ؟ مع إن الإسلام يراعي من هو أعظم ضررا ، وقاعدة الاسلام " لا ضرر ولا ضرار " ، والأضرار المترتبة على الرجل تكون مادية عادة ، أما المرأة فمادية واجتماعية ، ونفسية ، فزوجها الذي طلقها بغير سبب هو من كان يعولها إن لم تكن ذات دخل ، ونفسية فالطلاق كسر لقلبها بدليل(وكسرها طلاقها) ، وإجتماعية بسبب نظرة المجتمع لها ، ومن المراكز من خصصت أقسام لتأهيل المطلقات ، وأيضا تقل فرصة زواجها ، وخصوصا إذا كبرت في السن ، وهذه أمور لا يتضرر بها الرجل ، وإذا كان لعلة الفرقة وشتات الأولاد ، فهي واقعة من الطرفين سواء هو طلق بغير سبب أو هي طلبت ذلك ، فالذنب واحد ، وإن كان بسبب أنها جحدت نعمة الزوج الصالح بطلبها فهو قد جحد نعمة الزوجة الصالحة بطلاقها ، أوقن بأن الله عدل لا يظلم أحدا ، فكيف يقال بالجواز للرجل والتحريم على المرأة ؟ وكون الطلاق جعل للرجل فهل يعني أنه يتلاعب به كيفما شاء دون عقاب أو وعيد من الله بأن يحرم من الجنة كما تحرم هي ؟ وما صحة حديث (لعن الله كل ذواق طلاق) ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق أو الخلع إلا لعذر؛ لما روى أحمد (22440) ، وأبو داود (2226) ، والترمذي (1187) ، وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة  والحديث صححه ابن خزيمة ، وابن حبان كما ذكر الحافظ في "الفتح" (9/ 403)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"، وشعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات  رواه الطبراني في "الكبير" (17/ 339) .

وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم : (1934).

وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/ 403): " وفي صحته نظر؛ لأن الحسن عند الأكثر لم يسمع من أبي هريرة، لكن وقع في رواية النسائي: قال الحسن: لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث" انتهى.

والبأس: الشدة والمشقة ، كسوء عشرة الزوج ، أو دمامته ، بحيث تخشى ألا تقوم بحق زوجها لبغضها له ، فيباح لها طلب الطلاق أو الخلع حينئذ .

فطلب المرأة للطلاق أو الخلع من غير عذر ممنوع ، وهو منع تحريم على الراجح ، وقيل : منع كراهة.

قال ابن قدامة رحمه الله: " (ولو خالعته لغير ما ذكرنا : كُرِهَ لها ذلك، ووقع الخلع) ، الظاهر أنه أراد إذا خالعته لغير بغض، وخشية من أن لا تقيم حدود الله، لأنه لو أراد الأول لقال: كره له. فلما قال: كره لها، دل على أنه أراد مخالعتها له، والحال عامرة، والأخلاق ملتئمة، فإنه يكره لها ذلك، فإن فعلت صح الخلع، في قول أكثر أهل العلم؛ منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي.

ويحتمل كلام أحمد تحريمه؛ فإنه قال: الخلع : مثل حديث سهلة ؛ تكره الرجل ، فتعطيه المهر، فهذا الخلع.

وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحا إلا في هذه الحال.

وهذا قول ابن المنذر وداود .

وقال ابن المنذر : وروي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم؛ وذلك لأن الله تعالى قال: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله [البقرة: 229] وهذا صريح في التحريم إذا لم يخافا ألا يقيما حدود الله، ثم قال: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [البقرة: 229] .

فدل بمفهومه : على أن الجناح لاحق بهما إذا افتدت من غير خوف .

ثم غلظ بالوعيد فقال: تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون  البقرة/229.

وروي ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  أيما امرأة سألت زوجها الطلاق، من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة رواه أبو داود.

وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:  المختلعات والمنتزعات هن المنافقات رواه أبو حفص، ورواه أحمد، في " المسند "، وذكره محتجا به .

وهذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة .

ولأنه إضرار بها وبزوجها، وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة، فحرم لقوله - عليه السلام -:  لا ضرر ولا ضرار " انتهى.

ثانيا:

إيقاع الرجل للطلاق من غير حاجة، ممنوع كذلك، إما منع تحريم أو منع كراهة، وهو من كفران النعمة أيضا، ويترتب عليه مفاسد كثيرة معلومة.

لكن لم يرد حديث صحيح في الوعيد على ذلك كالذي ورد في حق المرأة.

وروى الطبراني من حديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعا:  إن الله تعالى لا يحب الذواقين ولا الذواقات  .

لكن ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" برقم :(1673) ، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 335): "رواه الطبراني وفيه راوٍ لم يسمّ، وبقية إسناده حسن".

وحسنه عبد الله الدويش في "تنبيه القارئ لتقوية ما ضعفه الألباني"، ص68 .

وروى الطبراني أيضا من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  لا تطلقوا النساء إلا من ريبة ؛ فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات  وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" برقم (6244) .

قال السرخسي رحمه الله :

" وإيقاع الطلاق مباح ، وإن كان مبغضا في الأصل عند عامة العلماء.

ومن الناس من يقول : لا يباح إيقاع الطلاق إلا عند الضرورة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعن الله كل ذواق مطلاق ، وقال - صلى الله عليه وسلم - أيما امرأة اختلعت من زوجها من نشوز فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . وقد روي مثله في الرجل يخلع امرأته .

ولأن فيه كفران النعمة؛ فإن النكاح نعمة من الله تعالى على عباده ، قال الله تعالى : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا [الروم: 21] ، وقال الله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء [آل عمران: 14] الآية ؛ وكفران النعمة حرام .

وهو رفع للنكاح المسنون ؛ فلا يحل إلا عند الضرورة ، وذلك : إما كبر السن؛ لما روي أن سودة لما طعنت في السن طلقها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإما لريبة لما روي ( أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : إن امرأتي لا ترد يد لامس ، فقال صلوات الله عليه : طلقها ، فقال : إني أحبها ، فقال - صلى الله عليه وسلم : أمسكها إذن ) " انتهى من "المبسوط" (2/ 6).

وقال الملا علي القاري رحمه الله: " وأما ما روي " لعن الله كل ذواق مطلاق : فمحمله الطلاق لغير حاجة، بدليل ما روي من قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أيما امرأة اختلعت من زوجها بغير نشوز فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

ولا يخفى أن كلامهم فيما سيأتي من التعليل ، يصرح بأنه محظور؛ لما فيه من كفران نعمة النكاح، وللحديثين المذكورين وغيرهما .

وإنما أبيح للحاجة، والحاجة هي الخلاص ، عند تباين الأخلاق ، وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله، فشرعه رحمة منه - سبحانه - .

فبين الحكمين تدافع ؛ والأصح حظره إلا لحاجة ، للأدلة المذكورة .

ويحمل لفظ "المباح" : على ما أبيح في بعض الأوقات، أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة، وهو ظاهر في رواية لأبي داود " ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (5/ 2137).

وحديث: (مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ) رواه أبو داود (2177) وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

وتحريم الطلاق لغير حاجة : هو كذلك رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ، وقول جماعة من أهل العلم.

قال ابن قدامة رحمه الله: " والطلاق على خمسة أضرب: ... ومكروه: وهو الطلاق من غير حاجة إليه .

وقال القاضي: فيه روايتان إحداهما: أنه محرم ، لأنه ضرر بنفسه وزوجته ، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه ؛ فكان حراما، كإتلاف المال .

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).

والثانية: أنه مباح ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وفي لفظ: (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) رواه أبو داود .

وإنما يكون مبغَضا من غير حاجة إليه، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حلالا .

ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، فيكون مكروها" انتهى من "المغني" (8/ 235).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ : الْحَظْرُ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/ 293).

ولعل السر في عدم ورود وعيد مماثل لما ورد في حق المرأة : أن الرجل-غالبا- لديه من الأسباب ما يمنعه من الطلاق ، لما يتكلفه في الزواج من المهر والتجهيز، وما يلزمه في الطلاق من المؤخر ونفقة العدة ، وربما نفقة الحضانة ، ولأنه إذا كره امرأته فله أن يتزوج من أخرى ، فليس بحاجة للطلاق .

والأمر إذا كان فيه وازع طبعي ، أو عادي : لم يحتج إلى وازع شرعي.

وأيضا ؛ فالمرأة سريعة الانفعال والعاطفة، فربما طلبت الطلاق عند ظهور أدنى مشكلة، وقد يستجيب لها الزوج فتنهار الأسرة، فجاء في حقها هذا الوعيد الشديد لتمسك عن طلب الطلاق.

وعلى كل حال ؛ فالعبد المؤمن : يوقن بعدل الله تعالى وحكمته ، وأنه غني عن عباده، ولا يظلم الناس مثقال ذرة، تبارك وتعالى وتقدس.

وقد تظهر لبعض الناس حكم بعض شرائع رب العالمين ، وقد تخفى على بعضهم ؛ وحال المؤمن دائما : السمع والطاعة ، فيما أحب من ذلك أو كره ، أو بان له وجه الحكمة فيه ، أو خفي علي .

قال الله تعالى :   فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا   النساء/65 .

وقال تعالى :   وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا   الأحزاب/36 .

وقال تعالى :  آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ  البقرة/286

وقال تعالى :   إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ  النور/51-52 .

فالحذر الحذر من سماع شبهات الملاحدة والطاعنين في الدين، فإن هؤلاء لم يقدروا الله حق قدره، ويلبسون على الضعفاء  بأن الشريعة تنحاز للرجل! وعمُوا عن أن الرجال والنساء عباد لله تعالى، وأن الشريعة جاءت بما يصلحهم جميعا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب